يثير رفض السلطة الفلسطينية المتكرر والتصريحات النارية من قيادتها حول عدم قبول ما يسمى بصفقة القرن التي من المقرر أن تطرحها الإدارة الأمريكية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، التساؤل حول مدى إمكانية تحمل قيادة السلطة تبعات هذا القرار.
ومن الواضح أن ثمة محاولات حثيثة تسعى السلطة من خلالها إلى التظاهر بموقف الرافض المتشدد للصفقة؛ من أجل فتح الباب الذي أوصدته السلطة بعد قطع علاقتها مع الإدارة الأمريكية ومن ثم الذهاب لتحسين شروط الصفقة التي ستعرض للتطبيق لا النقاش، وفق تصريحات المسؤولين الأمريكيين.
وأمام هذا الأمر وفي ظل انعدام الخيارات، فإن استمرار الرفض وعدم الذهاب إلى نقاش حول ما سيطرح، تجد السلطة نفسها محشورة في الزاوية، وما يزيد الأمر تعقيدا هي تهديدات الإدارة الأمريكية المتواصلة والتي تحاول من خلالها ترويض قيادة السلطة من أجل قبول الصفقة. وقال المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إن السلطة الفلسطينية "ستتعرض لحكم تاريخي قاس إذا رفضت خطة السلام الأميركية صفقة القرن".
وأكد غرينبلات في حديث إلى مجلة "المجلة" أن «أحداً لا يستطيع أن يقول بصدق إنه ضد الخطة لأنهم لم يروها»، مضيفا: «طلبنا من الجميع أن يتحلوا بالصبر وألا يصدروا حكماً مسبقاً على الخطة».
ورأى أنه بمجرد أن يطَّلع الجميع على الخطة، سيعلمون لماذا استغرقنا كل هذا الوقت في إصدارها، آملا أن "يتمتع الجميع بعقلية متفتحة حتى يمكن إجراء حوار مفيد بمجرد صدور الخطة". وبشأن رفض السلطة الفلسطينية اللقاء معه ورفضها خطته قبل صدورها، قال غرينبلات:
من الصعب فهم لماذا قد ترفض السلطة الفلسطينية خطة لم ترها. يستحق الفلسطينيون كرامة وفرصة وأسلوب حياة أفضل. وأضاف: "نأمل أن تتصرف السلطة الفلسطينية بمهنية وتلقي نظرة جادة على الخطة، وتحكم عليها وفقاً لأسس موضوعية، وأن تتناولها بأسلوب بنّاء، معتقدا أن" التاريخ سوف يُصدر حكماً قاسياً على السلطة الفلسطينية لرفضها فرصة يمكن أن تعطي للفلسطينيين شيئاً مختلفاً تماماً، شيئاً إيجابياً للغاية، مقارنةً بما لديهم اليوم" وفق قوله.
ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن تكون قيادة السلطة قادرة على تحمل تبعات رفض الصفقة، مبينا أنها وحتى غيرها من القوى الفلسطينية لن تستطيع مواجهة ما سيطرح في ظل حالة الانقسام والتفرد السياسي بالقرار.
ويؤكد الدجني في حديثه لـ"الرسالة" أن مواجهة الصفقة يستدعي الذهاب إلى توحيد الموقف الفلسطيني الداخلي والانطلاق من خلال موقف وطني جامع يفرض نفسه وشروطه على العالم ويكون قادرا على تجاوز التحديات. وحول سؤالنا على ماذا يراهن رئيس السلطة محمود عباس في استمرار رفضه، أوضح أن السلطة قائمة على المساعدات الدولية وتستطيع أمريكا وقف كافة المساعدات عنها، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيارها وهو أمر لن تقبل به (إسرائيل) كون بقاء السلطة مصلحة لها، وهو الأمر الذي يراهن عليه عباس.
ويلفت إلى أن الرفض يأتي من أجل الوصول إلى عملية تفاوض تتبناها بعض الدول العربية وتتحسن شروط الصفقة وهو ما يراهن عليه أبو مازن، ويظهر كأنه حقق إنجازا وطنيا وتاريخيا كما حصل في أوسلو.
وهو ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي ماجد كيالي الذي أكد أن سلوك القيادة الفلسطينية إزاء التحدي الأمريكي يثير التساؤلات عن الأوراق التي تمتلكها، او التي تعتقد أنها تمتلكها حقا، لمواجهة المسعى الأمريكي، وتفويت استهدافه، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أحد أهم المصادر السياسية لتشريع وجود الكيان الفلسطيني، بغض النظر عن رأينا بذلك، كما إنها أحد أهم مصادر تمويل السلطة الفلسطينية، إذ بلغ مجموع ما حولته للسلطة في بعض السنوات حوالي نصف بليون دولار.
وبين كيالي في مقال له، أن المشكلة أن المبادرات الأمريكية، كما علمتنا التجربة، تطرح لفرضها وليس لنقاشها، لاسيما في الظروف العربية والدولية الراهنة، والمشكلة أن القيادة الفلسطينية لم ترتب نفسها ولا شعبها لمواجهة هذا التحدي الكبير والجديد.
ونوه إلى أنه لن تنتهي قضية فلسطين، ولا الكفاح الفلسطيني، بسبب تلك الصفقة، كما لم تنته بغيرها من قبل، ولكن ذلك يعني أن ثمة حقبة تطوى وأننا سنكون إزاء حقبة جديدة لها مفاهيمها وأدواتها وأشكالها.