رغم أن غزة استقبلت رمضان بعشرات الصواريخ وأكثر من 24 شهيدا وبيوت مهدمة على قصص كثيرة ووجع، إلا أنها دوما جديرة بأن تنفض غبار الحرب في كل مرة وتبدأ قصتها الجديدة بطريقتها. هل رمضان رغم كل شيء وأنار شوارعها المهدمة، ونثر المحبة والسلام والسكينة على القلوب، التي عادت إلى صياغة يومياتها وبدأ أهالي القطاع شهر الصيام كعادتهم بالزيارات والتهاني بين الأقرباء.
ولكن، مع ضعف الوضع المادي والأزمات المتلاحقة على موظفي القطاع الحكومي، حيث بات الجميع خاضعا لمزاجية الراتب وموعده غير المحدد من الشهر، فأثر ذلك على طريقتهم حتى في زياراته الرمضانية لأرحامه، وأثر أيضا على حركة السوق.
"الرسالة" دارت في أحد أسواق القطاع، وتلمست حركة السوق وشراء الهدايا المخصصة لصلة الأرحام، فكل رب أسره لزاما عليه أن يهنئ أخواته وبناته وأرحامه بالشهر الفضيل، في ظل ظروف طاحنة للجميع.
الحاج أبو يسري كان واقفا في أحد المحلات التجارية يفاصل البائع على ثلاثة أطقم متشابهة من فناجين القهوة، التي سيأخذها لبناته الثلاث قائلا: كان بمقدوري أن أقدم لكل واحدة منهن هدية أثمن، ولكن الآن قسمت هدية ابنتين على ثلاث بنات، فالأوضاع لم تعد كما السابق، والرواتب هبطت إلى النصف، وما زالت قضيتنا مجهولة حتى اللحظة.
ويحمد التاجر الله على أن سكان القطاع استطاعوا أن يستقبلوا الشهر الفضيل بدون حرب، شاكرا الله على انتهاء موجة التصعيد قبل بداية الشهر مذكرا بما عاشه أهالي القطاع في رمضان عام 2014 وكيف حرموا في تلك السنة فرحة الصيام والزيارات العائلية والعيد أيضا.
ويشرح أبو محمد صاحب أحد محال الأواني المنزلية بأن الوضع يتحسن في موعد صرف الرواتب، وفي موعد المنحة القطرية، ولكنه يعود أدراجه بقية أيام الشهر، لافتا إلى أن سوق الشيخ رضوان قبل خمس سنوات كان يغلق الشارع من بدايته إلى نهايته، وتمنع السيارات من الدخول في العشر الأواخر من رمضان لفرط حركة الناس والمتسوقين، أما الآن، فإن رمضان والعيد يمران دون أن نشعر بتلك الحركة.
وأكمل أبو محمد قائلا: الناس تأخذ هدايا رمزية لبعضها البعض في رمضان، لا تتجاوز عشرة شواكل، ما بين كيلو من التمر وعلبة من البسكويت، فأوضاع أهالي غزة لم تعد كما السابق، والالتزامات والزيارات واجبة في رمضان وستظل واجبة.
أما السيدة نجوى وهي معلمة وربة منزل سألتها "الرسالة" عن تأثر زيارات العائلة الرمضانية فأخبرتنا أن الزيارة واجبة ولكنها ترى أن زيارات رمضان قد تأثرت بموعد الاختبارات النهائية، فهي مشغولة بعد عملها بترتيب دراسة أبنائها، وهذا أثر على حركة الزيارات التي أجلتها إلى نهاية الشهر.
وتقول: كان من واجب "التربية والتعليم" تقديم موعد الاختبارات أو تأخيره، لأن الطلبة في صيام وبعد الإفطار تبدأ السهرات والزيارات والصلوات ما سيؤثر حتما على الدراسة.
وترى نجوى أن الاحتفالات رغم الأوضاع السيئة والزيارات في الشهر الفضيل كانت جميلة ومبهجة، وهي دليل آخر على أن غزة تحب الحياة، ويجب أن تعيش.
وتشير الاحصائيات إلى أن مليون شخص في القطاع يعيشون دون دخل يومي مستقر وهم يشكلون 60% من إجمالي عدد السكان، ويعيش جميعهم على تلقي المعونات الاغاثية من الأونروا والمؤسسات الاجتماعية، وقد شكلت نسبة الفقر في القطاع أكثر من 65% مع انعدام الأمني الغذائي بنسبة تصل إلى 72%.