قائمة الموقع

مؤتمر المنامة وصفقة القرن: المتصهينون بلا خجل

2019-06-01T16:08:00+03:00
مؤتمر المنامة وصفقة القرن: المتصهينون بلا خجل
د. صالح النعامي

 كانت الصحافية الإسرائيلية أورلي أوزلاي كاتس، معلقة الشؤون الأمريكية في صحيفة "يديعوت أحرنوت" هي تحديدا التي فندت مزاعم وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد خليفة، الذي حاول تبرير احتضان عاصمة بلاده المنامة المؤتمر الاقتصادي، الذي دعت إليه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حزيران يونيو القادم، والذي سيشهد الإعلان الرسمي عن انطلاق الخطة الأمريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة باسم "صفقة القرن".

ففي الوقت الذي ادعى الوزير البحريني أن التئام المؤتمر في "المنامة" يعكس التزام الدول العربية المشاركة فيه بدعم "إخواننا الفلسطينيين" في الضفة الغربية وقطاع غزة، تجزم أوزلاي أن المؤتمر يهدف فقط إلى تقديم "رشوة مالية" يقدمها العرب للفلسطينيين لإغرائهم للتنازل عن حقوقهم السياسية.

وفي مقال نشره موقع "يديعوت"، شددت أوزلاي على أن عقد مؤتمر المنامة يدلل على أن "صفقة القرن لا تهدف إلى تحقيق السلام وتسوية الصراع، بل إلى محاولة دفع الفلسطينيين للتفريط بحقوقهم السياسية مقابل المال".

وتضيف أوزلاي أن فكرة تنظيم مؤتمر المنامة يدلل على أنه: " يقف على رأس الإدارة الأمريكية أشخاص يعتقدون أنه بواسطة المال يمكن شراء كل شيء".

وحسب أوزلاي فإن الدفع نحو مؤتمر "المنامة" يعكس فكرا "كولونياليا" غربيا يقوم على افتراض مفاده بأنه في حال أمطرنا الفلسطينيين بالمال فإنهم سيصبحون أكثر خضوعا، فترامب الذي ولد ومعلقة ذهب في فمه وقضى حياته من صفقة اقتصادية إلى أخرى ليس بوسعه أن يتفهم التطلعات الوطنية للفلسطينيين، الذي يبحثون عن الكرامة أولا ولن يقبلوا بالمال بديلا عنها".

وفي الوقت ذاته، فإن كانت الدول العربية التي ستشارك في مؤتمر "المنامة" حقا معنية بتحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يزعم وزير خارجية البحرين، فلماذا لم تبادر هذه الدول إلى دعم السلطة الفلسطينية ماليا في أعقاب قرار إدارة ترامب قطع المساعدات الاقتصادية عنها والتوقف عن دفع حصة واشنطن في موازنة وكالة غوث وتشغيل للاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مع العلم أنه لا خلاف على أن الإجراءات الامريكية جاءت لمعاقبة السلطة بسبب موقفها من "صفقة القرن".

إلى جانب ذلك، كثير من المراقبين في (إسرائيل) يستهجنون متسائلين: كيف يمكن أن يشهد مؤتمر المنامة الإعلان عن صفقة القرن، التي يجمع الفلسطينيون على رفضها، ناهيك عن اعتراضات الكثير من القوى الإقليمية والدولية لها.

ويستهجن جاكي حوكي، معلق الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، قائلا: "كيف بإمكان الإدارة الأمريكية أن تطرح خطتها للتسوية في الوقت الذي تشتبك سياسيا مع السلطة الفلسطينية، التي يفترض أن تكون طرفا رئيسا في هذه الصفقة".

لكن أخطر دلالات انعقاد مؤتمر "المنامة" يكمن في حقيقة أن الدول العربية التي ستشارك فيه تمنح تأييدا ضمنيا للسياسات التي تطبقها (إسرائيل) والهادفة إلى حسم مصير الضفة الغربية عبر التمهيد لضم مناطق شاسعة منها.

ويتناقض التبرير الذي تقدمه الدول العربية لتسويغ حماسها للمشاركة في مؤتمر المنامة بالحرص على "رفاهية ورخاء" الفلسطينيين في الوقت الذي صمتت قيادات هذه الدول عن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا بأن (إسرائيل) ستضم التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية والمستوطنات النائية لها.

ليس هذا فحسب بل إن تعاون الدول العربية مع إدارة ترامب في تنظيم مؤتمر المنامة يمثل إسهاما في التغطية على مرامي هذه الإدارة الحقيقية من طرح "صفقة القرن"، والمتمثلة في إضفاء شرعية على أي قرار إسرائيلي مستقبلي بضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها.

فقد عدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تعمد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال إفادة له أمام لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ مؤخرا التملص وعدم التعليق على تعهدات نتنياهو بضم أجزاء من الضفة، أنه دليل على أن إدارة ترامب ستؤيد الخطوة الإسرائيلية.

ويرى معظم المراقبين في (إسرائيل) أن هناك توافقا مسبقا بين ترامب ونتنياهو يقوم على استغلال الأخير الرفض الفلسطيني المتوقع لصفة القرن في تبرير إصداره قرارا بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، على أن يقدم الرئيس الأمريكي لاحقا على إصدار قرار بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المناطق التي تم ضمها، تماما كما فعل بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.

لكن مؤتمر المنامة لا يهدف فقط إلى أن يكون منصة للإعلان رسميا عن "صفقة القرن" بل سيمثل نقطة تحول في مسار التطبيع بين (إسرائيل) والدول العربية.

سيمثل (إسرائيل) في هذا المؤتمر وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، يرافقه عدد كبير من رجال الأعمال والصحافيين الإسرائيليين، الذين لن يطالبوا بالحصول على تأشيرات دخول مسبقة، كما كشفت ذلك قناة التلفزة الإسرائيلية "13".

ولن يكون من المستبعد أن تعاقب بعض الدول العربية المشاركة في المؤتمر الفلسطينيين بسبب رفضهم التعاون مع مخرجات مؤتمر المنامة واعتراضهم على صفقة القرن لتبرر تدشين علاقات "طبيعية" مع (إسرائيل)، بما يتوافق مع خطة "السلام الإقليمي"، التي يروج لها نتنياهو، والقائمة على عدم الربط بين تدشين علاقات كاملة مع العالم العربي بحل الصراع مع الشعب الفلسطيني.

اخبار ذات صلة