مصادر جنائية: تقوم على تنسيق الأدوار لتضليل الشرطة
مختص أمني:التعامل مع جريمة تمت باستخدام قدرات عالية ليس أمراً صعباً
الشرطة: الملاحقة المستمرة للمجرمين يؤدي لتطور أساليبها
غزة - فادي الحسني
تسلل اللص "س" خلسة قبل أن تتخطفه الأنظار..داهم المنزل بدقة متناهية، دخل إلى الحجرة متنقلا على أطراف قدميه, وقبل أن يفتح الدولاب لسرقة المجوهرات، أشعل شمعة بجانب السرير وتركها تلتهم الفراش ببط، ثم سرق المجوهرات، وخرج دون أن يشعر أحد بخطواته الحذرة.
تمكن اللص من الهروب، بينما خلف أثاث الحجرة يتآكل شيئا فشيئا، الأمر الذي أفاق أصحاب المنزل، وعندما هرعوا لإطفاء الحريق، وهم الجيران لنجدتهم، دخل اللص البيت مجددا ولكن هذه المرو كمنقذ حتى لا تطاله أية شبهات، في وقت لم يدر في خلد الجميع أن الحجرة احترقت بعد أن تمت عملية سطو منظمة.
وعندما اكتشف أصحاب المنزل أن المجوهرات ليس لها أي أثر، أثريت الشكوك، لكن المباحث العامة تمكنت وبعد التحقيق في القضية من كشف ملابسات الجريمة، التي تبين فيما بعد أنها تمت بعد عملية تخطيط دقيق.
رصد وتخطيط
وهذه ليست الجريمة الوحيدة المنظمة التي تمت في الآونة الأخيرة بقطاع غزة، حيث كشفت تحقيقات الأجهزة الأمنية المختصة أن هناك عددا محدودا من الجرائم لم تكن عشوائية وإنما جرت وفق رصد وتخطيط متناهي، بحيث يعمل المجرمون على إخفاء معالم الجريمة من مسرحها، الأمر الذي يصعب من عملية الكشف عن شخصية مرتكبيها.
ووفق معطيات صادرة عن دائرة الأدلة الجنائية التابعة للشرطة الفلسطينية، فإن عددا من عمليات السرقة والسطو التي جرت مؤخرا، دبر لها أشخاص ذوو خبرة، وقد تمكنوا من إخفاء معالم الجريمة بشكل تام، دون أن يتركوا أية أثار تدلل على فاعليها.
وفي حادثة سرقة منفصلة، تمكن مجرمون من سرقة إحدى شركات الكمبيوتر في مدينة غزة، بعد أن أحدثوا ثغرة في جدار الشركة عند الساعة السابعة صباحاً – وهو وقت لا يثير أي شكوك -، مستخدمين آلة كهربائية "كومبريصة"، وعندما تناهي صوت الآلة إلى مسامع الجيران، ظنوا أن أصحاب الشركة يحدثون تغييرات فيها.
وسرق المجرمون عد من أجهزة الكمبيوتر المحمول "لاب توب" تصل قيمتها إلى 15 ألف دولار، ولاذوا بالفرار من المكان، دون أن يتم ترك أدلة قد تساعد في معرفتهم، لولا أن عملية البحث والتحري التي قادها جهاز المباحث كشفت عن مرتكبيها.
وقالت مصادر مطلعة في دائرة الأدلة الجنائية :"العمل في مسرح الجريمة المحروق يعتبر من أصعب مسارح العمل، خاصة أن معظم الأدلة تكاد تكون مفقودة، لكننا نعمل بكل طاقتنا من أجل الكشف عن الجناة".
وأشارت المصادر إلى أن عددا من جرائم السرقة، تتم وفق تنسيق أدوار وتوزيع مهمات، الأمر الذي يصعب من عملية الكشف عن مرتكبي الجريمة، واصفة الجرائم من هذا النوع بـ"السهل الممتنع".
ولفتت إلى ان التعامل مع مثل هذه الملفات يعتبر أمراً شائكاً، مؤكدة على جهود الشرطة الحثيثة في معرفة مرتكبي الجرائم المخطط لها.
وقالت المصادر الجنائية:"مهما حاول الجناة تجنب الشبهات وإخفاء معالم الجريمة، لكن التحقيقات والتحريات التي تجريها الأجهزة الأمنية، تمكنها من الكشف عن المجرمين الذين يقفون خلف هذه الجرائم".
وجرى الكشف عن جريمتي سرقة وقعتا مؤخرا، في مؤسستين منفصلتين، كان الغرض منهما الحصول على معلومات فقط، وليس المال، وهو ما يعطي مؤشراً واضحاً على أن هاتين الجريمتين يقف خلفهما جهة أو جماعة تسعى لتحقيق مآرب خاصة وليس أفراد.
وكشفت مصادر جنائية عن سرقة مجرمين جهاز الحاسوب الخاص بنقابة العمال، وهو يحوي ملفات وببيانات تتعلق بعمال القطاع كافة، فيما وقعت عملية سطو أخرى على مؤسسة إسكانية، وتمكن مرتكبوها من سرقة "هاردسك" وهو عبارة عن قطعة إلكترونية أو قرص كمبيوتر يحتوي على معلومات خاصة بالمؤسسة.
لذلك يقول المختص في الشؤون الأمنية هشام المغاري: "هذه الجرائم يقوم بها فئتان، الأولى هي مرتزقة وتعمل من أجل الغنى وبدوافع فردية، والثانية : هي جهات مدسوسة تسعى للإفساد".
وحسب تعريفات الأمم المتحدة للجرائم المنظمة، أو المخطط لها، فإن الغاية منها تكون تحقيق منافع مالية أو الحصول على أية منافع مادية أخرى، بحيث تقوم وفق حسابات عقلانية، فهي تتجه دوما حيث توجد الأموال، و بأقل قدر من المخاطر، لأنها مبنية على حسابات الربح والخسارة.
وغالبا ما تكون هذه الجرائم غير فردية، أي يقوم بها أكثر من مجرم يعملون على التخطيط لها وتوزيع مهام محددة.
مخاطر
ورغم أن الحالة الأمنية مستقرة في قطاع غزة، في ظل وجود نظام يعمل على قمع "الفلتان" والجرائم، لكن إقدام بعض المجرمين على ارتكاب جرائم من هذا النوع، ينبئ ببعض المخاطر ويثير المحاذير.
لكن المغاري يرى أنه من الطبيعي حصول جرائم من هذا النوع، على اعتبار أن هذه ظاهرة بشرية اجتماعية قديمة، مقللا من حجم المخاوف المثارة حول هذا الموضوع.
واعتبر المغاري أن جملة من القضايا، كالانقسام السياسي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى الحصار والوضع المادي المتردي، فضلا عن التأثيرات النفسية، جميعهم يسهمون في دفع الأفراد للتخطيط وتسخير كافة الطاقات والإبداعات في سبيل تنفيذ جرائم وإخفاء معالمها.
ولفت إلى أن الأوضاع الأمنية في قطاع غزة مستقرة، وأن الجرائم من هذا النوع، أمر لا يثير الخوف، خاصة وأن الأجهزة الأمنية تؤدي دورها بشكل كامل ولا يعيقها كثيرا إخفاء الأدلة من مسرح الجريمة.
أما المتحدث باسم الشرطة الرائد أيمن البطنيجي، فاعتبر أن الملاحقة المستمرة والنشاط الزائد لجهاز الشرطة، يؤدي لتطور أساليب الجريمة، وذلك حتى لا يسهل على الأجهزة الأمنية الوصول للجناة.
وقال البطنيجي :"ربما التخطيط للجريمة بدقة ما كان له أن يحصل لولا وجود متابعة حثيثة من قبل جهاز الشرطة"، مبينا أن الجريمة العشوائية لا تزال موجودة، رغم تطور بعض الجرائم.
في الوقت نفسه طالب المواطنين بأخذ كافة أسباب الحيطة والحذر، قائلا: "على المواطنين أخذ الحيطة والحذر لأن الوضع الأمني المستقر أحيانا يدفع للاستهتار،الأمر الذي يزيد من مطامع المجرمين".
وأوضح أن الشرطة تتمكن غالبا من إلقاء القبض على المجرمين، خاصة وأنها تتطور بتطور الجريمة، نافيا أن تكون الجريمة المنظمة موجودة بشكلها ومفهومها الحقيقي.
وقال: "هذه الجرائم ناتجة عن اجتهادات لدى بعض المجرمين يعملون على التخطيط لها، لكنهم ليسوا فرق "مافيا" أو عصابات.
عملية سطو
وعلى الرغم مما أكدته الشرطة، إلا أنها لم تتوصل بعد لمرتكبي جريمة سطو حصلت في الأسبوع الأول من شهر رمضان، على حقيبة تعود لأحد أصحاب محال الصرافة، غرب مدينة غزة.
وأشارت مصادر جنائية مطلعة على القضية إلى أن مرتكبي الجريمة كانوا مسلحين واستطاعوا سرقة حقيبة الصراف والتي تحتوي على مبلغ كبير من المال، ولاذوا بالفرار، بعد أن فرقوا المواطنين بقوة السلاح.
وبينت المصادر أن المجرمين استقلوا سيارة أجرة بعد أجبروا صاحبها على النزول منها، زاعمين أنهم يعملون في جهاز المباحث ويلاحقون أحد المجرمين.
ويعتبر المغاري أن عملية سطو بهذا الشكل قد لا تصعب عمل الأجهزة الأمنية، على اعتبار أنها لديها مهام تتمثل في البحث عن المجرمين، قائلا: "الأجهزة الأمنية موجودة للعمل في هذا المجال (..) التعامل مع جريمة تمت باستخدام قدرات عالية قد لا يعد أمرا بالغ الصعوبة، خاصة أن من يمارسها هم قلة ومعلومون".
وأضاف المختص الأمني "أن عملية الضبط والملاحقة سهلة وأن التجربة أثبتت أن قوى الأمن تستطيع أن تلقي القبض على المجرمين".
وطالب المغاري الحكومة بالعمل ما استطاعت على توفير سبيل الحياة، على اعتبار أنها الجهة المسؤولة عن أمن المجتمع.
كما طالب المؤسسات الأهلية سواء ثقافية أو تعليمية بالمساهمة في توعية الجمهور، وتعريفهم بحرمة الإقدام على مثل هذه الجرائم وعقوبتها، إضافة إلى حثهم للحفاظ على ممتلكاتهم.
فيما شدد على ضرورة إجراء عمليات وقائية تتمثل بما أصطلح عليه (الشرطة المجتمعية) وهي يتطوع فيها أبناء المجتمع للعمل على الحفاظ على الأمن بمساعدة جهاز الشرطة، ويوزعوا ساعات العمل فيما بينهم.
صحيح أن حصول جرائم بهذا الشكل والحجم أمراً مثيراً للشك والريبة، حول إمكانية تطورها وتضاعفها، لكنها تزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية وتتطلب مزيداً من الجهود لوأدها قبل أن تولد.