قائمة الموقع

التهريب الجمركي بالضفة.. تجار يضربون السوق المحلي بسلعٍ (إسرائيلية)

2019-06-13T13:56:00+03:00
التهريب الجمركي بالضفة.. تجار يضربون السوق المحلي بسلعٍ (إسرائيلية)
الرسالة نت – أحمد أبو قمر

 ينتظر التاجر "خالد. ش" شاحنتي دواجن مهربة من إحدى المستوطنات المحاذية لمدينته الخليل، محملتين بعدد كبير من الدواجن، اشتراها من مزرعة مستوطن بنصف سعر كيلو الدواجن في الخليل.

ولم يعاني التاجر خالد -رفض الإفصاح عن اسمه بالكامل حتى لا تلاحقه الشرطة- في نقل بضاعته من المستوطنة إلى سوق في وسط مدينة الخليل، موضحا أن عملية التهريب لا تحتاج إلى جهد كبير.

وفي صباح اليوم التالي، عرض خالد الدواجن في السوق للبيع، بسعر 9 شيكل للكيلو الواحد، رغم أن سعر للكيلو في السوق المحلي وقتها كان 14 شيكلا.

وبسبب الكميات التي طرحها التاجر ومن يعملون مثله من التجار، اضطر البائعون في السوق المحلي لبيع الدواجن بأسعار متدنية تصل إلى سعر مماثل للدواجن المهربة من المستوطنات، ليتكبد مزارعو الدواجن في السوق المحلي خسائر كبيرة دفعت بالكثير منهم لترك المهنة.

ويُقصد بالتهريب الجمركي، إدخال السلع إلى مناطق معينة دون وثائق أو معرفة السلطات الحاكمة، ويمكن تمييزه عن التهرب الضريبي بوجود وثائق مزيفة لإدخال السلع.

وشكلت الزراعة الفلسطينية ما قبل اتفاقية "أوسلو" 25% من الناتج القومي الفلسطيني، بينما انخفضت اليوم وأصبحت لا تزيد عن 6% من الناتج القومي، فالمنتجات الزراعية وحدها تعود على (إسرائيل) بـ400-500 مليون دولار إيرادات سنويا من السوق الفلسطينية فقط.

"الرسالة" بدورها تطرقت لظاهرة التهريب الجمركي والضريبي التي تسببت بصداع مزمن في رأس الاقتصاد الفلسطيني في الضفة المحتلة، وهي نتاج طبيعي لاتفاقية باريس الاقتصادية دون المقدرة على إيجاد حلول جذرية له.

 طرق التهريب كثيرة

صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك بالضفة الغربية أكد أن منتجات المستوطنات المعفية من الضرائب والجمارك التي تغزو السوق الفلسطينية بطرق غير قانونية هي الصعوبة الأكبر التي يعاني منها المستهلك والتاجر.

وقال هنية إن هناك تحايلا كبيرا على القوانين والطرق في تهريب البضائع، وهو ما يضاعف المشاكل في الأسواق المحلية ويُضعف التاجر الفلسطيني.

حماية المستهلك: المهربون معروفون للجميع، يتحكمون في السوق، ولا أحد يحاسبهم

ولفت إلى أن المهربين معروفون للجميع، "ويتحكم في السوق بعض المهربين الكبار، ولكن لا أحد يشهر أسماءهم ويحاسبهم على أفعالهم".

وأشار إلى أن قانون حماية المستهلك رقم 21 لعام 2005 يلزم النيابة بإعلان أسماء المهربين واشهارها حتى يتعظ غيرهم.

وإلى جانب التهرب الجمركي، أوضح هنية أن الاقتصاد المحلي يعاني من التهرب الضريبي وتزوير للفواتير وهو ما يحرم الاقتصاد الفلسطيني الكثير من أموال المقاصة لصالح جشع التجار والاحتلال (الإسرائيلي).

وشدد على أن أي عملية تهرب جمركي وضريبي تفيد الاحتلال فقط، وتضعف صمود الفلسطينيين على أرضهم، مطالبا بالضرب بيد من حديد على كل مهرب.

  محاولات لتقليل التهريب

من جهته، قال رافع ظاهر مساعد مدير عام الضريبة المضافة في وزارة المالية بالضفة، إن التفتيش والضابطة الجمركية والمراقبة تعمل دوما على الوصول إلى المناطق التي ترد معلومات عن عمليات تهريب تجري فيها، "ولكن المشكلة تكمن في المناطق التي لا سيطرة لنا عليها".

وتعاني السلطة في الضفة من عدم سيطرتها على المناطق التي تصنف تحت مسمى "ج"، حيث تخالف (إسرائيل) ما جاء في اتفاقية "أوسلو" وتسيطر على هذه المنطقة المعروفة بثرواتها الغنية وتنهب خيراتها.

المالية: نعاني من عدم سيطرتنا على المناطق المصنفة "ج"، مما يزيد التهريب

وأشار ظاهر إلى أنه وفق قرار مجلس الوزراء، يمنع منعا باتا الشراء من المستوطنات، وأي سلع يتم القبض عليها ويكون مصدرها مستوطنات الاحتلال، تُحجز ويتم تقديم المهربين إلى القضاء.

وفيما يتعلق بالتهرب الضريبي واستيراد البضائع من الخارج، أوضح أن دائرته تقيم البيانات المستوردة وتنظر في الفواتير، فإذا وجدت أنها مزورة تغير قيمتها، ورفعها بما يتناسب مع قيمة البضائع الواردة.

وأكد أن التهريب بنوعيه الجمركي والضريبي يعتبر أحد أشكال محاربة الإنتاج المحلي ويؤثر على الناتج المحلي، ويعمل على تقليص دعم الخزينة من الضرائب من خلال التزوير.

ولفت ظاهر إلى أن التهريب الجمركي شهد انخفاضا بسبب الحملات المستمرة وتسليم المهربين للقضاء، "ولكن ما زلنا نعاني كثيرا من التهريب الضريبي".

ووفق مصادر مطلعة بمنتجات المستوطنات فإن الحاخامات يزورون المزارع قبل تسويقها بهدف إقرار ما يراد تسويقه بالسوق (الإسرائيلية)، أما الذي يرفضه الحاخام فيتم تسويقه بالسوق الفلسطينية.

وأضافت المصادر: "بعض المستوطنات تعيد تصنيع المواد منتهية الصلاحية في (إسرائيل) وتسوقها بالسوق الفلسطينية".

ولعل الأخطر في الفوضى الاقتصادية أن عددا من التجار يصنّعون مواد مشهورة عالميا فيقلدونها ويزورونها وبشكل خاص مواد التنظيف دون الخضوع لأي رقابة أو مواصفات، وبمواد تكون ضارة في غالب الأحيان حيث يتم تغليفها للجمهور وتباع بأقل من السعر المتعارف عليه.

 نقص في الكادر

وفي إحدى القرى القريبة من رام الله، يُوصل سائق سيارة "نصف نقل" 40 غالون من السولار "800 لتر" مهرب إلى إحدى محطات البترول على طريق القرية.

السولار المهرب الذي عادة ما يكون مخلوطا بزيوت تضر البيئة والصحة، يباع بسعر أقل بشيكل أو شيكلين عن السولار الموجود في السوق الفلسطينية.

الضابطة الجمركية: نعمل على ضبط مئات الأطنان من السلع المهربة ونعاني قلة الكادر

ورغم معرفة السائقين بالسولار المهرب إلا أن رخص سعره عن السولار المحلي يدفعهم لشرائه، وهو ما يخفف الطلب بشكل كبير على السولار الذي يُستورد بطرق رسمية.

ويشرح إبراهيم عياش مدير العلاقات العامة في الضابطة الجمركية بالضفة المحتلة، آلية عمل الجهاز الشرطي المختص في مكافحة التهريب والبضائع الدخيلة.

وقال عياش إن عمل الجهاز يتمثل في مراقبة الحدود مع المستوطنات و(إسرائيل) وخصوصا في الطرق الملتوية والتي يكثر بها التهريب.

والضابطة الجمركية هو جهاز عسكري تنفيذي يتبع لوزارة الداخلية ويخضع لكافة القوانين والأنظمة التي تخضع لها الأجهزة الأمنية والعسكرية، تأسس بقرار رئاسي عام 1995 ومكلف بتنفيذ سياسة الحكومة الاقتصادية والمالية.

وأكد عياش أن على مدار سنوات عمله، تمكن جهاز الضابطة الجمركية من ضبط مئات الأطنان من المنتجات المهربة والفاسدة والتي لو دخلت الأسواق الفلسطينية لتسببت بالضرر الصحي الكبير على حياة المواطنين إضافة إلى ضرب الاقتصاد الفلسطيني.

ولفت إلى أن جهاز الضابطة يعمل على حماية السوق المحلي والتجارة الشرعية والتاجر الملتزم من خلال توفير بيئة عمل آمنة، والعمل ضمن لجان السلامة العامة في المحافظات، ومصادرة البضائع الفاسدة والمنتهية الصلاحية واتخاذ الاجراءات القانونية وفق الأصول.

"ماس": التهريب الجمركي ظاهرة بحاجة للوقوف الجاد وإيجاد عقوبات رادعة للحد منها

وبيّن أن جهاز الضابطة يعمل على مدار الساعة للحد من دخول بضائع المستوطنات إلى مناطق السلطة وكبح جماح مستورديها، "إلا أن دولة الاحتلال تتبع نهجا منظما لتسويق منتجاتها في المستوطنات داخل محافظات الضفة وهو ما يصعب القضاء على التهريب".

وأشار عياش إلى أن إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، يجعل من التعامل مع بضائعها ممنوعا وفق القانون الفلسطيني، موضحا أن سلع المستوطنات تخلو من المواصفات والمقاييس التي يجب أن يخضع لها أي منتج للسلامة والصحة، وهي تصنع وتنتج دون رقابة وهدفها تقوية اقتصاد المستوطنات على حساب الاقتصاد الفلسطيني.

وبسبب التهريب الجمركي، تعاني السلطة ضعفا في فرض سياساتها التجارية التي تضعها، وتغييب واضح للدور الرقابي.

وأشار إلى أن السوق الفلسطينية في الضفة، تعاني من ضعف الإمكانيات اللوجستية والبشرية والتكنولوجية التي تحد من التهريب، "وكذلك نحن بحاجة إلى قوانين رادعة للمهربين".

ولعل عدم سيطرة السلطة الفلسطينية على المنطقة "ج" وانتشار المستوطنات في المناطق الفلسطينية، يصعب من الحد من التهريب الجمركي، ويضع ميزانية السلطة أمام تسرب الكثير من الأموال.

وإلى جانب المخاطر الاقتصادية التي يتسبب بها التهريب، يوجد مخاطر بيئية وصحية نتيجة خلط الوقود المهرب بمواد تؤثر على صحة الانسان وعدم مطابقة السلع للمواصفات والمقاييس.

أورده التقرير الصادر عن مكتب الدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان؛ إلى أن 80% من المنتجات "الإسرائيلية" لها بديل فلسطيني وبجودة عالية، وأن المقاطعة تعني توفير أكثر من ثلاثين ألف فرصة عمل للفلسطينيين منها ستة آلاف في التصنيع الغذائي، إضافة إلى زيادة مساهمة الصناعات الفلسطينية بـ 17% من الناتج المحلي.

  بحاجة لعقوبات رادعة

ووفق صلاح هنية، جرى تعديل مادة العقوبات في قانون الزراعة بحيث تعاقب بغرامات مرتفعة والسجن لردع الذين "تسول أنفسهم بالتهريب والتلاعب بجودة ما يباع للمستهلك"، مشيرا إلى أنه في حال جرى الالتزام بالقرار فإن مليار شيكل سنويا مما يشتريه الفلسطيني من السوق (الإسرائيلي) من الفواكه سيتحول للمزارع الفلسطيني وتطوير آليات عمله وإنتاجه.

حجم التهرب يتراوح بين (30- 50)% من مجمل الاستيراد من (إسرائيل)، وقيمتها تزيد عن مليار دولار سنويا

وعن دورهم في حماية المستهلك للحد من التهريب، قال هنية: "نحن في جمعية حماية المستهلك نعمل اجتماعات دورية مع كل موسم لسلعة معينة كموسم التمور ولجان المراقبة تزيد من تشديدها خلال هذه الأوقات".

وبيّن أنهم يعملون باستمرار على نشر حملات توعوية ودعائية تحذر المواطنين من التعامل مع سلع المستوطنات والسلع المهربة والتي غالبا ما تكون خارج نطاق المواصفات والمقاييس.

وحذر هنية من طرق التحايل التي يتبعها الاحتلال للترويج إلى بضائع مستوطناته، عبر تزييف مكان الإنتاج أو صنف السلعة ليجذب المستهلكين لها.

وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال أنشأ 250 مصنعا داخل المستوطنات في شتى مجالات الإنتاج؛ فضلا عما يقارب 3000 منشأة أخرى من مزارع وشركات ومحلات تجارية متنوعة؛ فالمستوطنات تنتج أكثر من 146 علامة تجارية في جميع القطاعات الإنتاجية؛ منها نحو 40 علامة تجارية غذائية، وقرابة 50 علامة تجارية منزلية، ونحو 56 علامة تجارية، لمنتجات وصناعات متنوعة وهذا في محاولة لمواجهة والتصدي للمقاطعة والقوانين التي تصدر وتمنع التجارة مع الاحتلال، وفق جمعية حماية المستهلك.

وكان باحثون اقتصاديون ونقابيون قد أوصوا بسن قوانين وعقوبات رادعة للحد من ظاهرة التهريب الجمركي، والعمل برفقة الشركات المرخصة على تخفيف الضرائب.

ودعا الباحثون في ورشة عمل نظمتها "ماس" مؤخرا، إلى انشاء مستودعات لنقل المضبوطات وفحص السولار الوارد، وعمل ندوات تحذر من خطورة المواد المهربة.

بدوره، أكد الباحث الاقتصادي في معهد "ماس" مسيف جميل، أن التهريب الجمركي أصبح ظاهرة بحاجة للوقوف الجاد عندها، وإيجاد الطرق للحد منها.

وكشف مسيف أن حجم التهرب يتراوح بين (30- 50)% من مجمل الاستيراد من (إسرائيل)، وقيمتها تزيد عن مليار دولار سنويا.

وقال إن عدد القضايا الجمركية عام 2017 وصل إلى 5672 قضية، وارتفع العدد العام الماضي إلى أكثر من 6500 قضية، "وهو ما يوضح جليا انتشار قضية التهريب".

وبيّن مسيف أن أهم الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي الناتجة عن شروط وشكل العلاقة التجارية مع (إسرائيل) التي أدت إلى ضعف الدور الرقابي، وضعف تطبيق سياسات تجارية، وتحكم (إسرائيل) بالمعابر.

كما أن القيود (الإسرائيلية) على التجارة الخارجية أدت إلى التوجه للشراء من سوق المحتل وبالتالي زيادة نسبة التهريب من السوق (الإسرائيلية)، وأن العامل الجغرافي والسياسي (حدود مفتوحة، منطقة ج، المستعمرات) بالإضافة إلى العبء الضريبي المرتفع، جميعها أسباب أدت لتفشي ظاهرة التهريب.

الأكاديمي المحاضر في جامعة النجاح بنابلس الدكتور نائل موسى، يرى في اتفاقية باريس الاقتصادية والتي جاءت كامتداد طبيعي لاتفاقية "أوسلو" بأنها السبب الرئيسي في التهريب وانتشاره بصورة كبيرة اليوم.

وقال موسى إن للتهريب ضررا من الناحية الاقتصادية في مسألتين، الأولى في المالية العامة حيث تفقد السلطة الفلسطينية الكثير من الضرائب التي من المفترض أن تعود إليها عبر المقاصة.

والمسألة الثانية تتمثل في تأثير التهريب على الصناعات الفلسطينية والزراعة، مشيرا إلى أن السلع المهربة معفاة من الضرائب وبالتالي تُباع بأسعار منخفضة لا يقوى التاجر الفلسطيني على الصمود بسلعه أمامها.

وتطرق موسى للحديث عن المشاكل التي تواجهها السلطة للحد من التهريب الجمركي والضريبي، وتتمثل في قلة الكادر البشري وصعوبة مجاراة الأسعار التي تغري بها سلع المستوطنات.

وأوضح أن اتباع السلطة و(إسرائيل) نظاما جمركيا واحدا لن يحل المشكلة، داعيا لوجود قرارات جدية تنهي التبعية الاقتصادية للاحتلال، وتوجد استقلالية للفلسطينيين على المعابر وتحصيل الضرائب.

وفي تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، كشفت فيه عن أن التسرب في الإيرادات الجمركية بلغ 300 مليون دولار سنويا، مقدرا التهريب بنسبة ما بين (25- 35)% من مجمل البضائع التي تدخل السوق الفلسطينية.

وأعلنت "الأونكتاد" عن تفاقم العجز التجاري الفلسطيني إلى مستويات مرتفعة وصلت إلى 4.8 مليار دولار وبنسبة 47% من الناتج المحلي الاجمالي، و3.7 مليار عجز مع (إسرائيل).

وكانت دراسة صادرة عام 2014 قدّرت قيمة البضائع المهربة من (إسرائيل) عام 2014 بـ 725 مليون دولار، وهو ما كلّف خزينة السلطة خسائر تقدّر بـ 200 مليون دولار، بجانب خسائر غير مباشرة لها علاقة بالتنافسية.

وتشير دراسة حديثة، إلى أن السولار من أكثر السلع التي يتم تهريبها للضفة بنسبة تصل إلى 25% من مجمل السلع المهربة عبر نقاط عشوائية تتعدى المائة نقطة.

اخبار ذات صلة