قائد الطوفان قائد الطوفان

مأزق ورشة البحرين… وفشل مؤكد لصفقة القرن

مأزق ورشة البحرين… وفشل مؤكد لصفقة القرن
مأزق ورشة البحرين… وفشل مؤكد لصفقة القرن

محمد عبد الحكم دياب

تبدو الأوضاع ونحن على بعد ساعات معدودة من بدء أعمال ورشة «البحرين» بشأن خطة أمريكية مقررة عن ما يمكن وصفه بـ «الحل الاقتصادي» للقضية الفلسطينية، وكل ما نشر وأذيع عن هذه الخطة يدلل على أنها مصادرة على جهود سنوات طويلة من العمل المضني لإيجاد مَخْرج يزيد من ترشيد التوافق الأممي، الذي انتهى إلى حل الدولتين، في ظروف تخلى فيها العرب الرسميون عن خيار التحرير، ومن الممكن أن يكون حل الدولتين من وجهة نظري، حلا مرحليا، أو خطوة كبرى في مسيرة الألف ميل نحو الحل الكامل، الذي يتيحه اعتدال ميزان قوى مختل بين قوتين: إحداهما باغية عدوانية، والثانية صاحبة حق تم اغتصابه.

والحل الكامل يتحقق بتفكيك القواعد والهياكل الأيديولوجية والسياسية العنصرية، والقضاء على التمييز القائم على العرق والدين واللون. وهو ما أنقذ جنوب إفريقيا، بزعامة نيلسون مانديلا، وأنهى التمييز والتفرقة العنصرية بين غالبية السكان الأفارقة والملونين، وبين المستوطنين البيض.. وقد يحتاج ذلك إلى إعادة صوغ مشروع الدولة الفلسطينية على أسس جديدة، ينتفي فيها التمييز والفصل العنصري، وبلا تفرقة من أي نوع، وإنهاء دولة الأبارتايد ذات العنصر الواحد والمكون «المُخْتار»، كي لا يقتصر الانتماء في دولة الاستيطان القائمة على المستوطنين والمحتلين اليهود فقط، ويعامل فيها السكان غير اليهود معاملة «الجويم» المنبوذين و«الأغيار» مهدري الحقوق.

وفي مثل هذا الواقع العنصري العفن لا ينجح حل مهما كانت القوى التي تقف وراءه، ولو كانت بحجم العالم كله.. ويصبح من السهل الحكم على ما يطرح «جاريد كوشنر» صهر الرئيس الأمريكي ترامب، وعرّاب ترويج الخطة المعروفة بـ «صفقة القرن»، يسهل الحكم عليه بالفشل.. بجانب أن كل ما نُشر وعُرف عنها يؤكد أنها ليست خطة ولا تحمل مواصفات أي حل ولو جزئي أو مؤقت.. وتزيد الأوضاع تعقيدا بسبب قيامها على مصادرة حق السكان الأصليين، وتسليم الأرض لغير أصحابها الشرعيين والتاريخيين.. وهذا هو المأزق الذي يعيشه «كوشنر» ذلك العراب المراهق، وهو يواجه صعوبة بالغة في ترويج بضاعة فاسدة ومنتهية الصلاحية، وضاعت جهوده في السنتين الماضيتين سدى، ولم يجرؤ على إعلان تفاصيل «الخطة»، وكانت آخر وعوده أنه سيعلنها بعد شهر رمضان وعطلة عيد الفطر. ومر شهر رمضان، ومن بعده انقضى العيد، والحال في تدهور، وبدت «ورشة البحرين» بلا جدوى، ولن تعلن فيها التفاصيل المطلوبة، حيث خرجت الأمور عن السيطرة وسارت في اتجاه معاكس للجهد الصهيو – أمريكي، الذي صاغ الخطة.

وجاء تصريح «جيسون غرينبلات»، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص بـ «السلام في الشرق الأوسط»، ليلقي بماء بارد على «الورشة» برمتها، حينما تطرق، أثناء مشاركته في المؤتمر السنوي لصحيفة «جيروزاليم بوست» الصهيونية في نيويورك، إلى إمكانية تأجيل الإعلان عن تفاصيل «الصفقة»، فطريقها ليست سالكة بل ملغومة.. ليس بسبب رفض من الموقف الرسمي العربي في عمومه، فالملوك والرؤساء والأمراء العرب لبّوا النداء، واستجابوا لرغبة «كوشنر»، واستعدوا لشد الرحال إلى «المنامة» يتقدمهم الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد في دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، والملك عبد الله الثاني بن الحسين، والملك محمد السادس، والمشير السيسي. هذا مع العلم بأن أيا من ترامب صاحب الخطة، أو صهره عرابها لا يُقيم لأولئك وزنا، ووجودهم شكلي لإضفاء مشروعية مزيفة على «الورشة». وكان الموقف الفلسطيني الرافض واضحا على المستويين الحكومي والأهلي. وهذا أحرج المشاركين ممن كرروا التصريحات الخاصة بعدم قبول ما يرفضه الفلسطينيون!!.

ومن علامات الفشل هو ما استجد عن «الشق السياسي» في «صفقة القرن»، وكان مرفوضا، ولم يتطرق إليه أحد، وليس هذا تراجعا بل تحايلا خبيثا لتمرير «المرحلة الأولى»، واستغلالها في الحصول على أكبر قدر من مليارات «البترودولار» من السعودية والإمارات، ووضعه في الجيب الأمريكي، وقد يتم تجميده، حتى يفرض ترامب ما يريد، ويستمر في التلاعب بالرؤوس القابلة بـ «الصفقة»، خاصة رأس مصر، ودول قد تؤيد مستقبلا «الحل الاقتصادي». واعتبر «غرينبلات» مبعوث ترامب أن «ورشة البحرين» التي ستعقد في 25 و26/ 06/ 2019 «مرحلة أولى» اقتصادية، تأتي بعدها «مرحلة ثانية» لبحث القضايا السياسية. وغيّر رأيه بقوله: أن الأمر ليس مجرد حدث اقتصادي، وليس رشوة للفلسطينيين!!.

وقد صدّع القابلون بالمشاركة الأدمغة من تكرار القول بأنهم لن يقبلوا بشيء يرفضه الفلسطينيون، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يرفضوا لتل أبيب أو واشنطن أمرا.. والمضحك والمبكي هو الرد الأمريكي على الرفض الفلسطيني، بعد أن عوقبوا مقدما، بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وإسقاط حقهم في العودة، وعوقبت منظمات المساعدة الدولية بدورها كي لا تمد يد العون للفلسطينيين، والنموذج الصارخ هو دعوة واشنطن إلى حل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، بعد أن أعلن

ت الإدارة الأمريكية العام الماضي وقف تمويلها، بدعوى انحيازها «بشكل لا يمكن إصلاحه» حسب التصريح الصادر بهذا الشأن، فلم يبق للفلسطينيين ما يخسرونه.

واتهم «غرينبلات» حركة «فتح» بإفساد ما سمّاه «فرصة للتعايش».. وأي تعايش ممكن مع إنكار كافة الحقوق ومصادرتها على مرأى ومسمع العالم «المتحضر».

وقد كفر الناس بذلك النوع من «التحضر» القائم على سفك الدماء والتهجير القسري، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتم ذلك في السابق تحت حماية إمبراطوريات استعمارية بائدة، مثل الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، وتبنيهما المشروع الصهيوني، واستمرا في رعايته.. إلى انضوائهما تحت جناح الإمبراطورية الأمريكية، التي بدأت في الأفول.. وكما غرقت الإمبراطوريتان السابقتان في مياه السويس عام 1956، تبدو مقدمات غرق الإمبراطورية الأمريكية في مياه الخليج واردة!.

وهذا المراهق «كوشنر» شديد التعصب، يعادي كل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي وإنساني.. ومن طينة عنصرية جعلته يتفوق على حماه. فقال بأن «الفلسطينيين يستحقون تقرير المصير، ولكن غير متأكد من قدرتهم على حكم أنفسهم». كلام ينم عن جهل منقطع النظير، يقول به سماسرة لا يفقهون ولا يعرفون طبائع البشر، وقدراتهم، أفرادا وشعوبا وجماعات.. فالفلسطينيون والعرب يشقون طريقهم عنوة ويواجهون تحديات فوق طاقة البشر، ومع ذلك يحصلون أعلى الدرجات ويتولون أعقد الأعمال وأرقاها، ويتَحَدُّون الصعاب ويشقون طريقهم في الصخر حتى ينالوا ما يستحقون.

ومن المتوقع مع ازدياد جنون عائلة ترامب، وكما أخذت على عاتقها محاربة كل البشر والدول الصديقة والمحايدة والمعادية، وفرض ما تريده بقوتها وقوة الحركة الصهيونية، ومؤازرة جماعات اليمين الفاشي في العالم، ومن المحتمل وصول النرجسية وجنون العظمة حد العمل على تغيير النظام الأمريكي الرئاسي إلى النظام الوراثي، ويتم تداول الحكم فيه بين «آل ترامب»، كسلالة يؤسسها الرباعي المكون من ترامب الأب، وزوجته ميلانيا، وابنته إيفانكا، وزوجها جاريد كوشنر. وهذا غير مُستبْعَد، من عائلة مصابة بجنون العظمة، وتعاني من الاضطراب العقلي والنفسي.

البث المباشر