في المشهد العام للفعاليات الوطنية الرافضة مؤتمر البحرين، بدت غزة حاضرة ومتقدّمة أكثر في واجهة الرد ومهاجمة المؤتمر بإيجابيةٍ حافظت على خصوصية العلاقة مع الشعوب، على الرغم من أن الكفة كان يفترض أن تميل للضفة الغربية، على المستوى الرسمي التي فيها المقاطعة ومنظمة التحرير والمجلسان، الوطني والمركزي، المخولان افتراضاً بالحديث نيابة عن الشعب والدفاع عن قضاياه. هذا أمر يُحسب بداية لحركة حماس، باعتبار أنها وفرت في غزة بيئة العمل الوطني، وأثبتت صحة وجدوى رفضها المتجدد لعقد مجالس الوطن تحت حراب الاحتلال.
مناسبة هذا الحديث أن مؤتمر البحرين كان أول اختبار فشلت فيه المجالس الجديدة لمنظمة التحرير التي تم "تعيينها" العام الماضي، وتم خلالها استبعاد الفصائل الوطنية الوازنة واستعداؤها، وتجاهل دعوة الوطن في صورة كل فصائله لاستثمار ذلك الوقت في تصحيح المسار الوطني؛ تفادياً للتهميش الذي يعيشون نتائجه اليوم.
ما أصاب المنظمة أمر مدروس ومخطط لإجبار هذا الإطار المركزي في قضيتنا على اعتزال العمل الوطني، لكن الأيام الأخيرة أثبتت أن العز يليق بأصحابه فقط، فنجح المحرومون وطنياً من عضوية المنظمة في الإنابة عنها، حين كان الرفض للمنامة في صورة مؤتمر وطني انطلق من غزة، ومسيرة وطنية حاشدة انطلقت في غزة، وخطابات وطنية سُجلت ووجهت من غزة، وإضراب شامل أُعلن في غزة، وحملات تغريدة وطنية انطلقت من غزة، وفعاليات كثيرة أعطت غزة الصدارة عن جدارة.
يُقدر لكل الفصائل المنفية أنها لم تفرّط في المنظمة، حين لم تبادر إلى إيجاد أجسام بديلة عنها في قطاع غزة. كان يمكن لحركة حماس أن تفعل ذلك، لكنها تدرك أنها هي ضمن المنظمة، وإن كانت خارجها، لأنها وكل الفصائل في غزة تعمل بأفكار المنظمة ومبادئها، وبالمسمّى الذي تحمله، وأن العمل للوطن لا يحتاج إذناً من أحد، ولا عضوية شكلية، وتسعى إلى تصحيح أخطاء الماضي، والعودة بالمنظمة إلى الحالة التي تصبح فيها على قائمة الإرهاب التي تثبت أنها في الطريق الصحيح، فشهادة العدو أعلى مراتب الحق.
قد يبدو الحديث في هذا الأمر غير مرغوب في هذا الوقت أو عنصرياً، باعتبار أننا يجب أن نبقى متفقين وموحدين في إعلان رفض المؤتمر والصفقة، والحقيقة تقول عكس ذلك، فحجم المخاطر الحقيقية التي تهدد القضية يستوجب استثمار هذا الوقت لإعادة النظر في أوضاع منظمة التحرير ومجالس الوطن، واستثمار المبادرات الفلسطينية التي تطالب بذلك، وآخرها المبادرة التي تقدمت بها شخصيات إسلامية ومسيحية ووطنية فلسطينية، من منزل الأب منويل مسلم في بلدة بيرزيت شمال رام الله، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، وطالبوا فيها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بإصدار مرسومٍ يحدّد موعداً لإجراء انتخابات المجلس الوطني، خطوةً من أجل إعادة بناء المنظمة وترميمها، وصولاً إلى إنهاء حالة الانقسام، لمواجهة التحديات أمام الفلسطينيين.
وحتى في ذروة رفض مؤتمر المنامة، لم تتوقف "حماس" عن المطالبة بذلك، فأعلنت أنها مستعدة للانخراط فوراً في الترتيب لانتخابات المجلس الوطني، في وقت كان يفترض أن تتم فيه دعوة هذه المجالس إلى الانعقاد هذه الأيام؛ لبحث مخاطر المؤتمر والصفقة، وهذا ما لم يحصل للأسف.
ما عشناه في غزة خلال الأيام التي سبقت مؤتمر البحرين وما بعده، يؤكد أن إعادة منظمة التحرير إلى صفتها الرسمية ليست أمراً صعباً، فقط أعطوا الخبز لخبازه.