اختتمت مساء الأربعاء الماضي ورشة البحرين دون أي التزامات للدول المشاركة غير أن واشنطن أطلقت فيها الجانب الاقتصادي من خطتها للسلام في الشرق الأوسط.
واتهم فيها المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر القيادة الفلسطينية بالفشل في مساعدة شعبها، مؤكدا أن "الباب لا يزال مفتوحا" أمامها.
وتقترح الخطة جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار لصالح الفلسطينيين، وإيجاد مليون فرصة عمل لهم، ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلي، على أن يمتد تنفيذها على عشرة أعوام، بحسب البيت الأبيض.
ستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية؛ وهي 70%، في حين لا تتكفل فلسطين و"إسرائيل" بأي مبالغ.
وقاطع الفلسطينيون الورشة، قائلين إنه لا يمكن الحديث عن الجانب الاقتصادي قبل التطرق إلى الحلول السياسية الممكنة لجوهر النزاع، معبرين عن سخطهم ورفضهم للخطة.
في المقابل كشف تقرير إسرائيلي عن مؤتمر البحرين (ورشة المنامة) أن الانشغال الرسمي بالاقتصاد الفلسطيني كان واجهة غطت على الموضوع المركزي غير الرسمي، وهو عقد الصفقات من وراء الكواليس، والتطبيع بين دول عربية وإسرائيل.
وأشار التقرير أيضا إلى أنه بالنسبة لرجال الأعمال فإن عقد الصفقات من وراء الكواليس كان أهم بكثير من موضوع المؤتمر نفسه.
وأشار أيضا إلى التوجس الأوروبي من إمكانية تحقيق الأهداف المعلنة للمؤتمر، من باب أن "الولايات المتحدة تتحدث، وأوروبا تدفع"، حيث ينظرون بارتياب إلى ما تعرضه الولايات المتحدة نظريا من استثمار بالمليارات بينما على أرض الواقع تقلص مساعداتها للفلسطينيين.
وفي السياق قال إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن أول بيان على تهافت المقاربة هو الوثيقة التي صدرت في طباعة أنيقة قبل الورشة مباشرة، وتضمنت خطة التنمية التي تنتظر الفلسطينيين.
وبين أنه كفى للدلالة على سخف حداثة الخطة التعليقات التي صدرت عن الخطة في الصحافة الدولية بما في ذلك الأمريكية والفرنسية بل والإسرائيلية نفسها.
صحيفة «لو موند» الفرنسية سخرت من الخطة معتبرة أنها يمكن أن تكون مرشحة للقب «التحفة الفريدة»! الصحيفة رأت أنه على الرغم من ادعاء الجدّة، فإنه لا شيء جديد في الخطة، فهي ليس إلا تجميعا لأفكار قديمة، بعضها طبّق فعلا.
ووفق عوض فإن الصور الجميلة التي زيّنت الخطة المطبوعة هي لفلسطينيين مستفيدين من مشروعات طبقت في السابق، والمفارقة ووجه السخرية والتناقض أنها مشروعات نفذتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي قطعت عنها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي كل أوجه التمويل.
وذكر عوض في مقال له أن الأهم من هذا وذاك في رأى الصحيفة الفرنسية، التي شبّهت الوثيقة المطبوعة بمطوية إعلانية، هو أن الخطة لم يرد فيها ولو مرة واحدة مصطلح «الاحتلال»، وكأنما الاحتلال ليس هو المسئول عن خنق الطاقة الاقتصادية الفلسطينية.
وتساءلت الصحيفة كيف يمكن أن تعد الخطة بإدخال أحدث تقنيات الهواتف المحمولة «5ج» بينما لم يوافق الجيش الإسرائيلي الذي يحتكر الترددات في الأراضي المحتلة على العمل بتقنية «3ج» إلا مؤخرا وبعد 12 عاما من المساومات.
ويتساءل عوض في مقاله ما الذي كان يسعى إليه السيد كوشنر؟ هل هو أن تتعامل الدول العربية مع إسرائيل؟ مصر والأردن والمغرب، والتي حضرت ثلاثتها بروا للعتب، والإمارات كذلك تتعامل علنا معها، والسعودية بشكل نصف علني. ومصر والأردن معترفتان رسميا بها.
ويضيف هل كانت إضافة البحرين هي الهدف من الورشة؟ أم أن الورشة كانت بمثابة مؤتمر لإعلان دول مانحة أو القطاع الخاص عن تعهدات بالمساهمة المالية في تنمية الأراضي الفلسطينية؟ لم يحدث شيء من ذلك في الورشة ولم يُطلَب من المشاركين الإعلان عن أي تعهدات. وأشار إلى أن إغراء الشعب الفلسطيني بمستقبل مزدهر حتى يسيل لعابه ويتنازل عن تسوية سياسية منصفة هو الهدف الضمني للورشة على ما يبدو وهو هدف أقل ما يقال عنه أنه مفرط السذاجة.
ويعتبر مدير مركز (مسارات للأبحاث والدراسات) في رام الله هاني المصري أن ورشة البحرين عقدت كأنها "حفل زفاف من دون عريس" في ظل الإجماع الفلسطيني الرافض للمشاركة.
ويقول المصري إن "ورشة البحرين فشلت في تحقيق أي نتائج عملية لأن ما تحاول الإدارة الأمريكية عمله تحت مسمى صفقة القرن وشقها الاقتصادي متطرف جداً في دعمه للمتطرفين الإسرائيليين ومحاولة لتحقيق الازدهار تحت الاحتلال وهذا مستحيل".
ويضيف أن "الشق السياسي للصفقة الأمريكية أصبح واضحاً تماماً بعد كل السياسات والإجراءات التي قامت بها واشنطن وإسرائيل وهو إدامة الاحتلال والسعي لتصفية القضية الفلسطينية مقابل تحسين حياة الفلسطينيين ودمج إسرائيل في المنطقة العربية".
ويبرز أن الدول العربية التي حضرت ورشة البحرين، وهي السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن والمغرب، إضافة إلى الدول الأوروبية، شاركت بمستوي تمثيل منخفض، في وقت قاطعت فيه أطراف دولية مهمة جداً، مثل الصين وروسيا، الورشة.
وينبه المصري إلى أن الخطة الاقتصادية الأمريكية لم تتطرق إلى ذكر السلطة الفلسطينية "بما يثير التكهنات بقوة عن مخطط لدى واشنطن في المرحلة المقبلة للشروع في تجاوز السلطة وتمهيد العمل لاستبدالها إن لم تخضع"
وقال كوشنر إن الباب لا يزال مفتوحا أمام الفلسطينيين للانضمام إلى خطة السلام الأميركية التي لم تتضح معالمها السياسية بعد، قائلا "لو أرادوا فعلا تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل عظيم يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه".
وأبلغ كوشنر الصحفيين اليوم بأن فريقه سيكشف عن التفاصيل السياسية للخطة التي لا تزال طي الكتمان "عندما نكون مستعدين"، مضيفا "سنرى ما يحدث".
بدوره أعرب مركز صوفان للدراسات عن شكوكه في إمكان النظر إلى الولايات المتحدة كوسيط محايد بعد خطوات ترامب، بما في ذلك وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
وقال المركز ومقره نيويورك "بالنسبة لأي شخص يراقب الوضع عن كثب" فإن ورشة العمل في المنامة "تبدو كأنها مضيعة للوقت".