تكتفي السلطة الفلسطينية بالرفض اللفظي والتصريحات الإعلامية لمواجهة صفقة القرن التي تتكشف تفاصيلها شيئا فشيئا، دون الحديث عن أي خطط أو إجراءات عملية لمواجهتها.
أول الاختبارات العملية فشلت السلطة في اجتيازها حين لم تتمكن من معاقبة المشاركين في ورشة البحرين كما توعدتهم وخضعت للضغوط الأمريكية وأفرجت عنهم، وهو ما وضع علامات استفهام حول دور السلطة في مواجهة الصفقة.
وتؤكد المعطيات أن عجز السلطة وفقدان الخيارات ليس وليد اللحظة بل هو نتيجة سنوات حصرت فيها السلطة كل خياراتها في المفاوضات مع الاحتلال وكبح جماح أي سلوك مقاوم أو رافض لمسار التسوية.
الكاتب والمحلل السياسي عريب عنبتاوي اعتبر أن السلطة الفلسطينية تراهن في مواجهتها لـ"صفقة القرن"، على ورقتين رئيستين: ضعفها وشرعيتها، موضحا أن الورقتين لعبتا أدواراً متفاوتة الأهمية في مجابهة بعض التحديات التي اعترضت مسيرة الفلسطينيين نحو الحرية والاستقلال.
وبين أن في الحرب الاقتصادية الشرسة التي تخوضها (إسرائيل) والولايات المتحدة ضد السلطة، تحت شعار "تجفيف الموارد"، لم تجد السلطة من وسيلة للرد عليها سوى بالتحذير من انهيارها، انطلاقاً من فرضية أن بقاء السلطة واستمرارها، فيه مصلحة لـ(إسرائيل) وأمنها "القومي".
وقال عنبتاوي في مقال له: "من يريد ابتلاع كل أو معظم أو بعض الضفة الغربية، بعد أن ضم القدس إلى "سيادته"، لن يضيره في المدى المتوسط، بقاء السلطة أو انهيارها".
ويضيف: الرفض الفلسطيني للصفقة، ظل سياسياً، ومعلقاً بالهواء، فمنذ أن كانت الصفقة، ونُقِلت السفارة الأمريكية إلى القدس، لم نر مفاعيل أية سياسات أو استراتيجيات بديلة، تكفل تعزيز جهاز المناعة الوطنية لدى المجتمع الفلسطيني وتعظم قدرته على الصمود.
وتابع: لم نر جهداً حقيقياً للمصالحة بل تعمّق الانقسام، ولم نر محاولات للفكاك من أسر الاقتصاد الاستهلاكي، المُضعف لروح المقاومة والثبات، ولم نر خططاً لوقف تفريغ الأرياف الفلسطينية والحد من هجرة سكانها صوب المدن، ولم نر مجرم حرب إسرائيلي واحد قُدّم للمحاكمة الدولية، ولم نر أي تغيير جوهري في النهج الذي قادنا إلى ما نحن فيه وعليه.
وأشار إلى أن ما يجري خلق انطباعا لدى عواصم دولية عدة، أن ترامب ونتنياهو قادران على فعل ما يشاءان، دون أن يخشيا أية ردود أفعال جدية تذكر.
ويذهب بعض المراقبين إلى أبعد مما يراه عنبتاوي معتبرين أن ما تقوم به السلطة من عدم دفع الرواتب أو تجزئتها ما هو إلا وسيلة لإخضاع الناس للقبول بالصفقة، ولكن دون أن تظهر السلطة بمظهر بشع أمام الشعب الرافض لهذا الحل.
ومن المؤكد أن حالة الضعف الشديد الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية تزامنا مع ضغوط كبيرة قد تدفعها إلى تغيير بعض تفاصيل موقفها تحت تأثير ضغط الحاجة المادية والسياسية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية ومعها الاحتلال يضعان كل ثقلهما من أجل إنجاح هذه الصفقة.
في المقابل يرى متابعون أنّ السلطة تستعمل ورقة صفقة القرن كفزاعة في التجاذبات الداخلية في الساحة الفلسطينية، خاصة في تبرير سياستها المتشددة نحو قطاع غزة، ومحاولة تصوير أي محاولة لتخفيف الحصار عن الغزيين بأنه ضمن تحركات صفقة القرن.
ما سبق يشير إلى رغبة من السلطة في إبقاء غزة تحت الضغوط، كما أنها لا تنوي التوحد مع الفصائل لمواجهة الصفقة بل تزيد من ضغوطها على غزة في محاولة لإضعافها وتبديد أي فرصة لتصليب الجبهة الداخلية لمواجهة الصفقة.
وتكمن معضلة السلطة الفلسطينية في أنها مقيّدة بمحددات اتفاق أوسلو ومرتهنة لاشتراطات سياسية واقتصادية ومالية، بما في ذلك وقوعها في مرمى التأثير الأميركي والإسرائيلي المباشر عليها، زيادة على أنها عرضة لضغوط إقليمية عربية محتملة.