رشا فرحات
بيد بطيئة الحركة، وقّعت نهيل الشرافي روايتها الأولى "انتظار"، وقد جلس شقيقها إلى جانبها ليساعدها في خط الإهداء إلى أصدقائها لتجاوز بطء حركة يديها وصعوبة إمساكها بالقلم، بينما وقفت أمها إلى جانبها تساندها قدر استطاعتها.
نهيل التي تعرضت لمشكلة نقص في الأكسجين لحظة الولادة، جعلتها تلك التجربة بطيئة الحركة، بطيئة الكلام، ولكنها رغم كل ذلك تتمتع بثقة بالغة، وحضور قوي، وهكذا جلست على منصة توقيع روايتها الأولى التي نشرتها دار سمير منصور للنشر وأعلنت عنها بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في حفل أقامته الإثنين الماضي.
في ظروف مشجعة تربت نهيل، لأم طبيبة وإخوة قدّروا موهبتها فدعموها وشجعوها، وكانوا جسرا لها للتواصل مع الآخرين؛ لتجاوز صعوبة حركتها وصعوبة النطق لديها، وها هي الآن تطلق روايتها الأولى التي تجسد كل معاني المعاناة في غزة، والتي تصف واقع الشباب بشكل عام والقائم على فكرة الانتظار.. انتظار المعبر، وانتظار التحويلة الطبية، وانتظار الراتب.. سلسة من الانتظارات عكستها نهيل بقلمها في هذا الكتاب.
وتقول نهيل في ظروف كتابتها للرواية: لقد اتخذتُ من الحروف الترجمان للصمت الذي يسكن داخلي، بأناملي استطعتُ أن أعبر عن مكنونات شعب بأكمله، فكل شخص يقرأ روايتي سيجد نفسه فيها، لما تحمله من صور واقعية عما نعيشه في غزة اليوم.
وتضيف، واصفة الحياة في غزة كما كتبت عنها في الرواية: سيشعر القارئ كم هي حياتنا قائمة على لائحة الانتظار الطويل.. انتظار تحقيق بعض من الأحلام العالقة في قائمة الانتظار، مضيفة: هناك أم الشهيد والجريح الذي فقد جزءا من جسده، وهناك من هاجر طلبا للعيش الكريم فابتلعته أمواج البحر، وهناك من دُفن في بيته بكبسة زر لصاروخٍ مسح كل الذكريات الجميلة لعائلة ما، فأصبح بيتهم مقبرةً لهم.
ومن فوق منصة الاحتفال أمام جمهور كبير جاء ليشارك نهيل فرحة التحدي أضافت: لا يسعني اليوم إلا أن أشكر كل من وقف إلى جانبي لأحقق ذاتي وأترك بصمة جميلة لهذا المجتمع، فاليوم أحمل رسالتين: الأولى التي يحملها أي كاتب فلسطيني يحاول أن يسطر معاناة شعبه من خلال قلمه الصامت. والثانية، وهي الأقوى بالنسبة لي، أن الإرادة تلغي الإعاقة.. نعم، منكم من سيصفق بحرارة، ومنكم من سيقول كيف استطاعت، ولقد عكفتُ على كتابة هذه الرواية مدة سنتين، وكنتُ أكتب دون أن أخبر أحداً أنني أكتب رواية فكانت كقنبلة قوية للجميع.
وقد عبر الناقد والشاعر ناصر عطا الله عن فرحه بهذا الإنجاز قائلا: لقد أعطتنا نهيل درسا في الحياة نعبر من خلاله على أن الذاكرة التي لا تخوننا أبدا قدمت لنا من يدها المعاقة، فصنعت قرصا للشمس في سماء مظلمة وحالة أوجعتنا، لكنها أعطتنا دفعة أمل ونافذة تفتح لكل من له عزم وإرادة.
وقال عطا الله: تجربة نهيل قالت إن الحياة لا تنتهي بالدمار أو الحرب أو بإغلاق معبر رفح ولا حتى بالغرق في البحر، بل أعطتنا أملا بأن الحياة يجب أن تعاش قدر المستطاع بكل إرادة، وكل ذلك كتب في سطور روايتها وعكس طريقة تفكيرها وإرادتها القوية، ولقد أثبتت أنها نموذج للشابة المبدعة القادرة ذات الإرادة الصلبة، وقد قرأت في روايتها رسالة المعاقين المتميزين عنا بالصلابة والإرادة.
وقالت لطيفة الجعبري، مديرة مؤسسة نجوم الأمل للإعاقة، إن واقع ذوي الإعاقة في غزة صعب لعدم وجود بيئة قانونية لدعم الأطفال ذوي الإعاقة؛ لأن النظرة المجتمعية تجاههم تميل باتجاه الوصمة، والجميع يعلم كيف يتعامل القانون مع الأشخاص ذوي الإعاقة وواقعهم صعب جدا، بالإضافة إلى أن الأماكن غير موائمة لأوضاعهم وتنظيم وصولهم إلى المجتمع. ما فعلته نهيل كان تحديا قويا للواقع المليء بالتحديات لجميع أهالي غزة في ظل واقع المدينة الظالم وقد أصبحت كاتبة في هذا الواقع المفتقد لكل حقوقها وقد احتضنتها المؤسسات المختصة بالإضافة الى دعم عائلتها لها وكل هذا جعلها تكمل معركتها رغم صعوبة الحركة وصعوبة النطق.