ذو شخصية هادئة يجلس خلف مكتب هندسي في منتصف قطاع غزة، كان اللقاء مع الرجل الذي وصف يوما بـ"مهندس الكلية الجامعية"، جعل من أرضها الجدباء مقرًا أصبح في طليعة المؤسسات الاكاديمية، انه يحيى السراج الرئيس الجديد لبلدية غزة.
السراج القادم من عالم الإدارة والهندسة، وقع عليه الاختيار أخيرا ليشغل منصب رئاسة المجلس المحلي لمدينة غزة؛ أو "الحكومة المصغرة" كما وصفها.
يشدد السراج في مستهل المقابلة على استقلالية موقفه السياسي، "لا أقبل احتسابي على طرف، أنا منتم لوطني وشعبي ومستقل في رأيي وأحرص على خدمة وإسناد المواطن، كما أن البلدية يجب أن تكون مستقلة وألا تكون تحت جناح أي حزب، ولا أقبل أن يكون رأيي مرتهنا لأي فئة".
بادرته "الرسالة" بممازحته في سؤال باللهجة العامية "شو الي وقعّك هالوقعة؟"، ابتسم ثم أجاب "شعور الذنب تجاه مدينة إذا مررت بشوارعها قلت إنها مدينة بلا أب".
منذ عام تقريبا بدأت محاولات إعادة تشكيل المجلس البلدي للمدينة، "ترددت مئات المرات في القبول بهذا العرض، فكثيرون رفضوا من أصحاب الخبرة خشية من عدم النجاح أو عدم التمتع بالقدرة على اتخاذ القرار الحر لمصلحة المواطن".
صعوبة الموافقة تمثلت في التعيين المباشر دون استشارة المواطنين وهذا أمر لن يكون محببا، وسيحسب الأشخاص على حزب دون آخر، وليس في مصلحة الوطن، "فكان التردد سيد الموقف والخوف من الفشل أحد دوافع رفض المنصب"، تبعا للسراج.
وأضاف: البلدية جانب خدماتي ومدني، ويجب الا ترتبط بالوضع السياسي، قد يكون هناك ضغوط من أطراف لكن يجب ان تستقل البلدية بخدماتها ورأيها".
حسم السراج قراره بالموافقة بعد اختياره من "البيت المفتوح" الذي فتحته بلديه غزة ودأبت على جمع ممثلي الشعب من نخب وأعيان وكفاءات وأصحاب غرف تجارية ورجال أعمال، "ومسؤوليتي اليوم تقع على عاتق الناس ولا سلطة علينا سوى هؤلاء".
وأوضح السراج أنه بصدد اختيار المجلس المحلي الجديد، الذي يتراوح عدد اعضائه حسب النظام من "9-15" شخصا، "والتوجه لدي شخصيا تغيير كامل أعضاء المجلس، لم يقصروا وبذلوا جهودا في ظروف قاسية؛ لكنّ الأولى فتح الباب لدماء ووجوه جديدة".
ويحرص السراج على أن "تمثل الوجوه الجديدة فئات المجتمع المختلفة وتضم الكفاءات وتتمتع بالقدرة على رؤية جديدة، كما يجب أن تشمل الشباب والمرأة بحيث لا يقل عدد كل منهم عن اثنين، وحريصون على التنوع الديني وهناك مساع ومؤشرات إيجابية بالتعاون معنا"، تبعا لقوله.
وبيّن أنه جرى ترشيح 31 شخصية من البيت المفتوح الذي يضم وجهاء وممثلي البلد، مشيرا الى أنه تم تشكيل لجنة مختصة استشارية لانتقاء المجلس من بين هذه الوجوه.
وكشف السراج عن مؤشرات وصلت من أطراف مختلفة حول رغبتها في التعاون مع البلدية.
وشدد على انفتاحه تجاه جميع المؤسسات، "فليس ثمة اعتبار سوى خدمة المواطن وتطوير البلدية، وهي فرصة للجميع باستعادة دعمهم ومساندتهم للمجتمع".
"هل البلدية مشروع حلب للمواطن؟" سؤال طرحته "الرسالة" على طاولة السراج، فأجاب: "البلدية ليست مشروعا للجباية أو جمع الأموال، فهي وسيلة للتنمية وتقديم الخدمات وليست هدفا، وغاية البلدية رعاية وخدمة وتطوير المجتمع".
واستدرك بالقول: "ليس هناك خدمات تقدم بالمجان، والمطلوب التوازن الدقيق بين توفير الخدمة والظرف الاقتصادي الصعب من حصار ونقص بالرواتب والتقاعد المبكر".
"ليس لدي حل سحري، لكنّنا نحتاج لإشراك المواطن في صناعة القرار مهما كانت صعوبته، ثم تقع عليه مسؤولية الالتزام الطوعي بالقرار الذي شارك في صناعته".
وأضاف: "الفقير يجب مساعدته، وميسور الحال يجب أن يساعد(..) عملية معقدة تحتاج لصبر وحكمة في تحقيقها".
ملف آخر وضعته "الرسالة" على طاولة السراج مرتبط بحملات البلدية المتكررة تجاه أصحاب البسطات، ليجيب؛ "مسؤولية البلدية العمل والمساعدة في تحقيق أحلام البسطاء، وليس تحطيمها، وهذا أيضا يحتاج لتوازن غاية في التعقيد".
وأضاف: "لا نريد ما حصل في تونس مع بوعزيزي أن يتكرر، ونحتاج لفتح حوارات مفتوحة مع ممثلين عن هذه الفئة وإشراكهم في صنع القرار، وتوفير الحد الأدنى من ضمان عيشهم بكرامة".
قيل قديما إن من يترأس بلدية إسطنبول يحكم تركيا، فهل ستحذو حذو "اردوغان"، ضحك المهندس الوافد من الجامعة الإسلامية، "العمل السياسي في هذه الظروف خسارة فالوطن ليس أولوية للجميع".
ومع الصخب التي أثارته السلطة تجاه تعيين السراج، يؤكد أن يده مفتوحة للعمل مع الحكومة في الضفة الغربية، "لدينا العديد من الأصدقاء والزملاء ويدنا مفتوحة للعمل مع الجميع".
وختم بالقول: "أتمنى أن يكون الحرص على مصلحة الوطن والمواطن وأن يتم تجنيبهم الصراع في التعليم والصحة وإبعاده عن كل مظاهر وأسباب الانقسام".
يشار إلى أن رئيس البلدية الجديد تسلم مهامه في اليوم الأول من شهر أغسطس، وسيبدأ مهامه بتقديم خدمات للمدينة التي تبلغ مساحتها 56 كيلو مترا، وهي من أكثر مدن العالم كثافة، ويبلغ عدد سكانها قرابة 100 ألف نسمة.