عادت السلطة الفلسطينية للتلويح بورقة الانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل) مجددا، رغم معرفتها التامة بعدم قدرتها الاستغناء عن التعاملات الاقتصادية مع الاحتلال.
السلطة التي تجذرت بالتعاملات مع الاحتلال منذ أكثر من 25 عاما، باتت خاتما في إصبع (إسرائيل)، يصعب خلعه.
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي القائم من تدهور وتبعية وتراجع، وهو نتيجة طبيعية لاتفاقية باريس الاقتصادية وعمل الاحتلال للسيطرة الكاملة على المعابر الفلسطينية والتحكم بكل جزئياته.
بحاجة لخطط
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد قرش، أنه لا يمكن تطبيق خطة الانفكاك الاقتصادي الذي تنادي فيه السلطة، في ظل الأوضاع الراهنة، "ولكن يمكن تدريجها على مدار السنوات المقبلة في حال كانت هناك نية جدية في ذلك".
وقال قرش لـ "الرسالة": "الحكم الذاتي الذي يعيشه الفلسطينيين يمنع من انشاء اقتصاد مستقل، لذلك نحن بحاجة لخطط استراتيجية بعيدا عن تدخل الاحتلال".
وأضاف: "نحتاج إلى معابر أخرى غير التي تشرف عليها (إسرائيل)، كالتوجه إلى مصر للاستيراد مباشرة بعيدا عن الاحتلال".
وأشار إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يخسر كثيرا، جراء التبعية لنظيره الإسرائيلي، فالاقتصاد (الإسرائيلي) مستفيد بشكل كبير جدا من الإشراف على المعابر، وتداول الفلسطينيين لعملة الشيكل والتحكم بمفاصل الدولة الفلسطينية.
ولفت قرش إلى أن الاحتلال عمد على إنهاك الاقتصاد الفلسطيني على مدار 26 عاما، والعودة للطريق الصحيح بعيدا عن التبعية يحتاج إلى تكاتف الجهود بعيدا عن تدخل (إسرائيل).
ومن ضمن الخطوات التي تنادي السلطة بها للانفكاك عن (إسرائيل)، عملة وطنية تغني الفلسطينيين عن التعامل بالشيكل الإسرائيلي.
ويدرك الاقتصاديون، أن خلق عملة فلسطينية في ظل أوضاع اقتصادية سيئة يزيد من الطين بلة، وهو ما يجعل من الأصوات المنادية بإنشاء عملة فلسطينية صعب التحقيق.
وفقا لبيانات سلطة النقد الفلسطينية، فإن (إسرائيل) تضخ سنويا ما يزيد عن 25 مليار شيكل (7 مليار دولار) في الاقتصاد الفلسطيني، وبذلك يستفيد الاحتلال من وجود سوق إضافي خارج حدودها يمكنها من استخدام أدوات السياسة النقدية بمرونة عالية.
ويعاني الاقتصاد الفلسطيني من مشكلات تتعلق بسيطرة إسرائيل وتكبيل يد الفلسطينيين باتفاقات، وزاد التدهور مع الخلاف حول العوائد الضريبية الفلسطينية.
ويرى وزير الاقتصاد الأسبق، محمد مصطفى أن التبعية للاقتصاد (الإسرائيلي)، "مرض خبيث ينخر في الجسم الوطني وهو ما يتطلب نضالا اقتصاديا للانفكاك عنه".
وأكد مصطفى في ورشة عمل، أن الانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل) مسؤولية تقع على عاتق الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وهي عملية تراكمية تتطلب تضافر جهود الأطراف المختلفة، والعمل الجدي في اتجاه إنجازها.
وأضاف: "اتفاقية باريس الاقتصادية وضعت ضمن معطيات وظروف اقتصادية وسياسية معينة، لم تعد قائمة اليوم، مما حولها إلى تهديد للمشروع الوطني الفلسطيني".
من جهته، حذر البنك الدولي من تفاقم الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، إذا لم تتسلم السلطة الفلسطينية أموال المقاصة.
وكانت (إسرائيل) قد بدأت في فبراير الماضي بخصم مبلغ 42 مليون شيكل شهريا من أموال العوائد الضريبية التي تحولها (إسرائيل) إلى السلطة، وقررت ذلك بشكل مستمر خلال العام الجاري بإجمالي 504 ملايين شيكل.
وبناء على أزمة المقاصة، زادت الدعوات من قادة السلطة للانفكاك التدريجي عن (إسرائيل)، في وقت يدرك فيه الجميع أن هذه الخطوة مجرد فقاعات هوائية يصعب تطبيقها.
وتشكل أموال المقاصة أكثر من نصف ميزانية السلطة، مما أدخلها في أزمة عميقة. وتدفع السلطة منذ شهور ما قيمته نصف راتب للموظفين مما أدى إلى التدهور التدريجي في الاقتصاد.