في شهر يوليو من العام الماضي عقد رئيس الوزراء السابق سلام فياض، لقاءًا خاصا واستثنائيا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعد رحلة طويلة من المقاطعة بين الطرفين تخللها ملاحقة لبعض مؤسسات الأول واغلاقها.
لقاء فياض – عباس ترافق مع ما وصفت بأنها ضغوط أمريكية لإيجاد بديل لعباس وبروز رجل الأعمال عدنان مجلي، الذي زار غزة والتقى بقيادة حماس، وكان معروض عليه من أطراف دولية قيادة المشاريع الإنسانية بمبلغ مليون دولار شهريا، كما أبلغ بنفسه قيادة الحركة.
في غمرة ظهور الرجل والبحث الأمريكي عن بديل لعباس، ودفعه للمصالحة مع القيادي المفصول من فتح محمد دحلان آنذاك، لجأ لطلب لقاء مع صديقه السابق فياض، لبحث هذه التطورات، ليرد عليه الأخير "إن كانت واشنطن موافقة على دفع رواتب موظفي حماس فلما أنت معترض!"
في مضمون اللقاء عرض فياض على الرئيس عباس فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية أبدى استعداده لترؤوسها في سياق البحث عن مخرج للأزمة الفلسطينية، بينما كان مجلي يستطلع آراء حماس في القطاع عن تطلعات المرحلة الأخيرة.
لم تبدي أوساط قيادية وازنة أن زيارة مجلي جاءت بدافع وموافقة أمريكية لمجلي، غير أن دوره لم يتطرق من قريب أو بعيد للحديث عن دور سياسي مباشر في المرحلة القادمة.
وخلال رحلة المباحثات، بدأ فياض يستقرأ المواقف السياسية في قطاع غزة عبر قيادات وازنة، وضمن رسائل مع حركة حماس، تقول المصادر إنّ هذه الرسائل تعاملت معها حماس بإيجابية عالية بما في ذلك عرض مقترح ترأس فياض للحكومة.
وفي معرض البحث رفض الرئيس عباس مقترح فياض، تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، مصرّا على موقفه السياسي من رفض استيعاب موظفيها أو فكرة انضمامها لحكومة وحدة دون ما أسماها انهاء السيطرة الفعلية على السلطة بغزة.
انتهت المباحثات عند هذا الحد، وتوقفت عقارب الساعة عند هذه المرحلة، وبدأ أبو مازن مصرًا على خطواته العقابية ضد القطاع، خاصة وأنّه أبدى استياءه أساسا من فكرة ما اسماها "هجوم حماس على المصالحة" في لقاء جمعه مع محمود الهباش وزياد أبو عمرو لحظة زيارة رئيس حكومته رامي الحمد لله لغزة.
لكنّ بيت القصيد تمثل في الاتصال الذي أجراه فياض مع رئيس الحكومة آنذاك رامي الحمد الله، ناصحًا إياه بالابتعاد عن المشهد السياسي المرتبط بسلوك الحكومة خاصة الإجراءات التي تفرضها، "ستخرج بسواد الوجه"، كما نصحه فياض.
لم يستوعب الحمد الله نصيحة سلفه في الحكومة، والذي حملته فتح أوزار الفساد الحكومي والإداري، بعدما ضاقت ذرعا بوجوده وشكوتها الدائمة أن فياض هو من يمسك بزمام المبادرة.
فتح عادت الكرة من جديد لتقول إن من يحكم الحكومة هو رامي الحمد الله وليست الحركة، وأصرت على فكرة تشكيل حكومة تقودها الحركة في أكثر اجتماعات لجنة مركزيتها، وهو ما رضخ له الرئيس أخيرا.
خرج رامي الحمد الله من كرة السياسة، حاملا ادراجه وعائدا الى جامعة النجاح، ليصطدم برفض عودة تعيينه رئيسا لمجلس الأمناء، والاكتفاء به نائبا للرئيس.
ثم وقبل أسبوع واحد من تسلم خلفه محمد اشتيه لمهامه، فتح أول ملفاته المتمثلة برواتب ومزايا الوزراء، خطوة قرأها الحمد الله جيدا، حين رد عليها بالقول "لسنا بصدد الخوض في معارك جانبية تجاه المعركة التي يواجهها شعبنا".
فتح اشتيه ملف سلفه ليبقى مشتعلا داخل الساحة الفتحاوية لهذه اللحظة، إلى حين اصدار قرار من رئيس السلطة مجددا يطالب الوزراء باسترجاع ما حصلوا عليه من تثبيت لسعر الدولار وغيرها من المزايا التي أهداها إياهم بقرار استثنائي منه، كما قال الحمد الله.
وعلى قاعدة المثل "القصة مش قصة رمانة بل قصة قلوب ورمانة"، فإن فتح هذا الملف بالنسبة لكثيرين من قيادات فتح ومقربين من الحمد الله في الآن ذاته، يعتقدون أن القضية تستهدف شخصه، أكثر منها قضايا متعلقة بسلوك وزراء حصلوا على استثناء من الرئيس.
وفي خضم المبررات، فإن مسؤولين يعتقدون أن ذات الحيلة لجأ اليها الحمد الله مع بعض مسؤوليه ووزرائه ممن لم يرق له سلوكهم.
وإلى حين تنجلي الأمور أكثر تجاه ما تعده السلطة لرجل وصفته قيادات فتح بـ"موظف الرئيس" بل وأبشع من ذلك، سيظل السؤال الأهم "هل يندم على عدم استجابته لنصيحة فياض أم أن الندم فات أوانه؟!"