هناك عرفهم جيران منطقة تل الهوا، والمارين عبر دوار الدحدوح من سيارات ومرتجلين، الجميع معتاد على وقوفهم هناك، يراقبون الطرقات حتى الفجر، والناس نيام، حراسا في وطن الأمن والآمان، والذي ظل على الدوام محصننا بجهودهم ورفاقهم في جهاز الشرطة.
أصحاب المحال التجارية المجاورة لنقطة الشرطة التي يقفون عليها هناك يعرفونهم أيضا حق المعرفة، كانوا زبائن بين الوقت والآخر، وأصدقاء يسهرون على راحة وأمن المنطقة.
ولكن ماالذي حدث في تلك الليلة ما قبل فجر الثامن والعشرين من أغسطس، وتحديدا في تمام الساعة الحادية عشر مساء، حينما انعطف أحد الانتحاريين بدراجته على دوار الدحدوح وبعد أن سلم على الرجلين، فجر نفسه في جسدهما، تناثرت أشلاء الملازم سلامة النديم والملازم علاء الغرابلي، بصوت هز أركان الحي بأكمله، وسمعته مدينة غزة من أولها لآخرها، بينما تمزقت أجساد الشهيدين على مرآى من المارة.
وفي ذات اللحظة وبتفجير انتحاري آخر في شارع الرشيد وفي نقطة مشابهة كان يسهر الشهيد الملازم وائل خليفة حينما فجر انتحاري آخر نفسه في جسده وهو يقف وقفة الواجب على نقطة أمنية يمارس عمله في حراسة المدينة.
ولم يصدق والد الشهيد الغرابلي وهم ينقلون له خبر استشهاد ابنه، بل هو الشهيد الثالث من أبناءه، وذهب راكضا للمستشفى وهناك تأكد من ذلك الخبر المفجع، ولكنه لم يستطع الاقتراب من جسد تحول فجأة إلى أشلاء قائلا: كنت أتمنى أن أودعه وداعا يليق به، ولكني لم أستطع أن أقبله، لم أجد مكانا في جسده لتقبيله او احتضانه"
والد الشهيد الغرابلي كان متماسكا، صابرا يعرف أن ابنه شهيد الواجب الوطني، ضحى لأجل الوطن هو ووأخوته، واثقا من قدرة الأجهزة الأمنية في غزة على كشف الحقائق.
وخاطب في كلماته مواسيا عائلة الشهيدين الشهيدين سلامة ماجد النديم (32 عاماً)، والملازم وائل موسى محمد خليفة "كان الله في عوننا، فنحن جميعاً في مركب واحد والنصر لنا" .
وفي منزل الشهيد خليفة كان الخبر مؤلما على نحو مغاير، فلقد كان ابنه زين ينتظر على باب المنزل حاملا حقيبة روضته ليأتي والده ويرافقه إليها في ايوم الأول، ولكنه لم يأتي حسب الموعد، حتى قرر القتلة له أن يكمل طريقه بدون والده، والده الذي تربى يتيما هو الآخر في أحد أروقة مخيم جباليا.
يقول عنه ابن شقيقه: لقد كان عمي وائل منشغلًا على الدوام في عمله الحكومي وفي مقاومته، ولقد كان محبوبا لدى الجميع ودائما ما يذكره الناس بالذكر الحسن، ولأنه كان يعمل في شرطة المرور كان بيته مفتوحا دوما لحل مشاكل الناس .
ويضيف: كان بشوشا محبا للجميع، ورغم احتكاكه المباشر حسب طبيعة عمله مع جميع أنواع الناس إلا أنه لم يحدث أن كان بينه وبين أحد مشكلة أو عداوة .
وتقول شقيقته: ما ذنب أبناء أخي، أكبرهم خمس سنين، لماذا حرموا من والدهم، لماذا حرمت أنا من أخي، موجهة رسالتها إلى الشرطة: يجب أن يعرف قاتل أخي، يجب أن يعدم ويعاقب كما يستحق.
أما في بيت سلامة النديم، فكانت هناك أم ثكلى لا تستطيع أن تجفف دمعتها، وتحاول، تنظر إلى صورته وتبكي من جديد، وتعيد تفاصيل ذلك اليوم الذي رحل فيه ابنها قائلة: لقد قبض قلبي حينما سعت صوت الانفجار، كنت أجلس برفقة زوجي في فناء المنزل، حينما سمعنا فجأة صوتا يصرخ في أرجاء الحي " سلامة استشهد"
وطالب عائلة النديم الذي ترك وراءه 3 أطفال أكبرهم 7 أعوام وأصغرهم عام واحد، بالقصاص فورا من القتلة، ومعرفة السر وراء هذه العملية الاجرامية.
وأعلنت الوزارة حالة الاستنفار لدى كافة الأجهزة الأمنية والشرطية؛ لمتابعة التطورات الأمنية عقب الانفجارين اللذين استهدفا حاجزين للشرطة بمدينة غزة، مساء يوم الثلاثاء.
وأضافت مصادر في الداخلية : ان انتحاريين أحدهما كان يقود دراجة نارية مفخخة انفجرت بالقرب من حاجز الشرطة على دوار الدحدوح بغزة، والآخر كان يحمل حزام ناسف وفجر نفسه بالقرب من حاجز الشرطة في الشيخ عجلين، حيث نتج عن التفجيرين استشهاد ثلاثة من رجال الشرطة .