بشكل مفاجئ أعلن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، عن اعتزامه الاستقالة من منصبه، دون إبداء أسباب، في الوقت الذي تشهد فيه خطة التسوية الأمريكية تراجعا من حيث النشر والعرض على الأطراف.
وتمثل استقالة غرينبلات علامة فارقة دونا عن بقية المسؤولين الأمريكيين الذين تركوا العمل مع إدارة ترمب خلال السنوات الماضية، في ظل اعتباره مهندس صفقة القرن وأحد أبرز العاملين على تطبيقها إلى جوار صهر الرئيس جاريد كوشنر والسفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان ومساعد كوشنر، آفي بركوفيتش. وتأتي استقالة غرينبلات في هذا التوقيت الحساس، نظرا إلى تزامنها مع اقتراب الموعد المتوقع فيه إعلان الإدارة الأميركية عن الشق السياسي لصفقة القرن، الذي سيتم بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 أيلول/ سبتمبر الجاري.
وقال غرينبلات الذي كانت صفته الرسمية "الممثل الخاص للمفاوضات الدولية" في بيان إن عمله في البيت الأبيض كان "امتيازا"، وأضاف في تغريدة "أنا ممتن فعلا للعمل على محاولة تحسين حياة ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين وآخرين".
وقالت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية، نقلا عن مسؤولين بالبيت الأبيض لم تسمهم، إن "غرينبلات، سيستقيل من منصبه بعد إعلان خطة السلام، التي يسعى ترامب إلى عرضها بعد الانتخابات الإسرائيلية" المقررة بعد أيام. وأوضحت "سي إن إن"، أن آفي بيركوفيتش، وهو أحد مساعدي كوشنر، وأحد أعضاء فريق "خطة السلام الأميركية"، سيتولى منصب المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط خلفا لغرينبلات.
من جهته، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الموجود بالعاصمة البريطانية لندن، إلى تقديم الشكر لغرينبلات، لـ"جهوده في دعم الأمن والسلام"، حسبما نقلت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية. بدوره، غرّد الرئيس الأميركي على صفحته الخاصة بموقع "تويتر"، يقول: "بعد ما يقرب من 3 سنوات في إدارتي، جيسون غرينبلات، سوف يغادر لمتابعة العمل في القطاع الخاص.
كان جيسون صديقًا مخلصًا ومحاميًا رائعًا". وأضاف: "تفانيه لصالح إسرائيل، والسعي لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لن ينسى. سنشتاق إليه. شكرا لك جيسون!". يشار إلى أن غرينبلات، تولى منصبه في كانون الثاني/ يناير 2017، وذلك ضمن فريق أميركي شكله ترامب لصياغة "صفقة القرن". وكان قد تم الإعلان علن الجانب الاقتصادي منها في حزيران/ يونيو الماضي، ونص على خمسين مليار دولار من الاستثمارات الدولية في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة على مدى عشرة أعوام.
ويعتبر غرينبلات قريبا جدا من إسرائيل، وهو يهودي متحمس للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وأثار غضب الدبلوماسيين الأوروبيين في الأمم المتحدة في تموز/ يوليو الماضي، حين اعتبر أن "السلام الدائم والشامل (في الشرق الأوسط) لن يصنعه القانون الدولي أو قرارات مكتوبة غير واضحة". وفي التعقيب على ذلك، قال البرفيسور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية إن استقالة غرينبلات تمثل شهادة جديدة على فشل تنفيذ صفقة القرن بشكلها الحالي وبذات الأسلوب الذي يعتمده الرئيس ترمب في تعامله مع الملف الفلسطيني، في ظل الانحياز الكامل والمعلن لإسرائيل.
وأضاف قاسم في اتصال هاتفي مع "الرسالة" من نابلس أن إسرائيل ستصاب بالإحباط بعد رحيل غرينبلات الذي يعد من أوفى السياسيين الأمريكيين لإسرائيل، والذي سعى بكل قوة لنشر الشق السياسي للصفقة لولا الظرف السياسي الذي مرت به إسرائيل إثر حل الكنيست بعد فشل تشكيل الحكومة.
وأوضح أن على الفلسطينيين الترويج إلى فشل هذه الصفقة التي جرى الحديث عنها كثيرا، واستغلال هذه الحادثة وغيرها، في التأكيد على عدم إمكانية تنفيذ الصفقة بصورتها الحالية على الأقل، مع ضرورة استمرار الضغط السياسي في اتجاهات أخرى، بهدف الوصول إلى الهدف المتمثل بإسقاط الصفقة تماما.
وبيّن أن الصفقة باتت ميتة قبل أن تولد، في ظل حالة الرفض الفلسطيني القاطع للتعامل معها، ورفض الاحتلال الإسرائيلي إجراء أي تغيير عليها، واستقالة مسؤولين أمريكيين بارزين في إدارة ترمب، وحالة التيه السياسي في إسرائيل عشية الانتخابات، عدا عن بدء الحديث عن الانتخابات الأمريكية الجديدة العام المقبل.
وأكد أن الوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي غير قابل لنقاش صفقة القرن أو الحديث عنها في الوقت الحالي، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية على عدة محاور واتجاهات، تجعل من صفقة القرن خارج أولويات كل الجهات الدولية المعنية بحل القضية الفلسطينية.