قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الكاتب والباحث السعودي أحمد بن راشد السعيد، إن اعتقال المملكة للفلسطينيين والشيخ الثمانيني محمد الخضري، إساءة لنفسها.
وأضاف السعيد في حديث خاص بـ"الرسالة" أن الاعتقالات تسيء كثيرا للمملكة لا سيما في ظل ما يتناقله النشطاء عن تعرض هؤلاء المعتقلين لانتهاكات.
وأشار إلى اعتقال الدكتور الخضري وهو شيخ قارب على منتصف الثمانين "أمر غير مقبول أو مفهوم".
وتابع الكاتب السعودي: "الرجل كان أشبه بسفير في جدة وضابط العلاقة بين الحركة والمملكة، والسفراء لا يعتقلون حتى عند العرب، يمكن الحديث إليهم أو إخراجهم لكن اعتقالهم لم تحدث في تاريخ العرب، وهذا أمر غير مقبول أو مفهوم".
وأكد السعيد أن الذي يجري وتحديدا ضد حركة حماس، يأتي في سياق" معاداة المملكة للحركة والنظر إليها بوصفها غير سلمية وغير متماهية مع الخط السعودي الجديد".
ولفت إلى أن ما أسماه بـ"المأزق الذي وقعت فيه السعودية مع حماس ليس معزولا عن المأزق الذي تورطت فيه المملكة قبل سنوات في الحالة المصرية عندما حاربت ظاهرة الربيع العربي ووقفت ضد الثورة المصرية ورفضت وصول الدكتور محمد مرسي الى السلطة في مصر بسبب انتمائه للإخوان المسلمين، ومشاركتها في الانقلاب عليه".
وذكر السعيد أن منطلق المملكة الخاطئ في التعامل مع هذا الملف قادها لمسالك خاطئة، ومن الطبيعي ألا ينتج الخطأ خطأ آخر، وهذا ما حصل فيما يتعلق بموقف المملكة من الإسلاميين وحماس تحديدا".
وأشار إلى أن حركة حماس في ميثاقها الجديد حاولت أن تقلل أو تهمش ارتباطها بالجماعة الأم، إلا أن ذلك لم يشفع لها".
وتابع الأكاديمي السعودي: "قلت سابقا عند صدور الوثيقة أنها لن ترضي أعداء الحركة أو المتربصين بها ولن تسمن أو تغني من جوع".
وأشار إلى المفارقة الغريبة في الموقف السعودي تجاه إصراره شيطنة حماس، رغم عزوف الدولة المصرية عن ذلك بعد فترة من شيطنتها للحركة.
وأكد أن هذه الشيطنة "تضر بالسعودية كثيرا ولا تخدم تأثيرها العربي والإسلامي، ويقلل من مصداقيتها"، متابعا: "مصر تحدثت عن حماس بوصفها إرهابية ثم سرعان ما غيرت خطابها؛ لأداركها أنه لن يخدم مصلحة النظام بمصر بوصفها دولة جارة لفلسطين ومحاذية لغزة، وانخراط مصر بشيطنة حماس سيفقدها التأثير على الساحة الفلسطينية والغزية تحديدا".
وقال السعيد: "الدولة المصرية التي لديها خصومة جذرية مع الإخوان أجرت مراجعة لموقفها تجاه حماس، وعزفت عن وضعها في قوائم الإرهاب، فيما تصر السعودية على شيطنتها".
وعزا الموقف السعودي لـ"لوجود قصر نظر وعجز عن رؤية الأحداث والتعامل معها بشكل سليم للأسف".
وأوضح أن صانع القرار السعودي "اتخذ موقفا ايدلوجيا من حماس، فلا يقبل منها صرفا أو عدلا، ويبقى متشككا من أي اجراء او سلوك او موقف حتى ولو كان إيجابيا صدر عنها تجاهه".
وأضاف الكاتب السعودي: " ليس هناك علاقة جيدة مع حماس ولا نظرة إيجابية تجاه الحركة، ومحاولة إقصائها وإبعادها مستحيلة".
وأكد أن من يقرأ المشهد بشكل جيد يدرك أن حماس ليست حركة طارئة، "بل أصيلة ونابعة من رحم المجتمع وامتدادها يصل لأعماق الأمة، فهي ليست مجرد فصيل يمكن القضاء عليه".
وتابع السعيد: "حماس ظاهرة تاريخية وأمة في حركة، ولذلك أي محاولة للنيل منها ستنال من شرعية الذي يحاول ذلك، إما الحركة فلا يمكن ان تنال منها لا الأيدي الصهيونية ولا أخرى موالية أو جاهلة أو غير مدركة لأهميتها".
وأوضح أن الإصرار السعودي على التخلي عن العلاقة مع حماس، نابع من رغبة قيادة المملكة التخلي عن خيار المقاومة، والشعور بفشل وعدمية وعبثية هذا الخيار، والاعتقاد أن "الكيان الصهيوني دولة قوية وليس من المنطقي والواقعي محاربتها، وتخشى المملكة من تأثير العلاقة مع حماس على تحالفها مع واشنطن أو إمكانية التخريب عليه".
إضافة للعوامل السابقة، فإن توجس المملكة من التيارات السنية والنظر لها بكثير من الريبة ووضعها جميعا في دائرة التطرف والإرهاب والسعي لإقصائها عن العمل السياسي كل هذه العوامل جعلت العلاقة بين الطرفين سيئة وأوصلتها إلى نفق وطريق مسدود تماما"، تبعا للسعيد.
ولفت الأكاديمي السعودي إلى أن تدهور العلاقة بدأ مع السنوات الأخيرة لحكم الملك السعودي السادس عبد الله بن عبد العزيز، "فلم تكن على وفاق فيما نقل العهد الجديد العلاقة للعداء".
وأعرب عن أمله ان تتدارك السعودية هذا الملف، "لا أحد يعترض أن يكون للمملكة رأيها حول مقاربات الحركة للصراع مع العدو، لكن حماس لم تمس السعودية ولم تفجر في الرياض ولا أبها ولا نجران ولم تحرض الشعب السعودي على قيادته ونشاطها محصور داخل الأراضي المحتلة".
وأكد الدكتور السعيد أن سوء العلاقة في المرحلة الحالية بين الطرفين، لا يقطع الأمل بإمكانية عودة الانفراجة مجددا؛ "لأن ما يحدث شيء نشاز وغير منطقي، وترفضه الحقائق الاستراتيجية والجيوسياسية، ولا يمكن أن يطول".
وشدد على أن الشعب السعودي منتم لامته، وفلسطين حاضرة في وجدانه وتاريخه وثقافته وحضارته ولا يمكن أن ينفصل عن هذه القضية.
وختم السعيد بالقول: "الحكومة في نهاية المطاف لا تستطيع أن تتجاهل الحقائق الساطعة، وقريبا جدا سوف تتغير أمور كثيرة ونرى انفراجة معقولة".
يشار إلى أن المملكة شرعت باعتقال العشرات من الفلسطينيين خلال الأشهر الأربعة الماضية، بينهم كبار في السن ونساء، في خطوة نددت بها جهات قانونية دولية.