كان لافتاً تصريح رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو 12-9-2019 لبرنامج ديكل سيجل لراديو اسرائيل باللغة العبرية الذي صرح فيها ولاول مرة وبصورة تشكل خروجاً عن خطابه وسياسته المتبعة منذ عدة سنوات حيث قال: " يبدو انه لن يكون لنا خيار الا الدخول في معركة كبيرة تجاه غزة، ولن ابدأ هذه المعركة قبل ان تكون الظروف مناسبة تماماً، نحن نعني حرب مختلفة وسأختار التوقيت المناسب والشكل الانسب "
فهل هذا تكتيك سياسي قبيل الانتخابات بعدة ايام ام انه يشير لتغيير جوهري بعد الانتخابات ؟
لم يكن هذا السؤال ليطرح كما لم يطرح في تصريحات نتنياهو حول ضم غور الاردن وشمال البحر الميت "لاسرائيل" حيث كان واضحاً انه خطاب مكرر يهدف الى استمالة اصوات من اليمين لصالحه، لكن التصريح حول غزة جاء مخالفاً لكل سياسات نتنياهو وخطاباته السابقة مما اثار الاهتمام والتساؤل من قبل العديد من المحللين والمراقبين في المنطقة، اضافة الى ذلك فقد زادت تصريحات الجيش الاخيرة حول قلقه من احتمالية الدخول في مرحلة (دوامة وفقدان السيطرة بما في ذلك امام غزة ) اضاف هذا التصريح جدية لذاك التساؤل .
من الممكن القول ان تصريحات نتنياهو مفيدة له من الناحية السياسية في كل الاحوال : فهي تداعب طموحات انصاره من اليمين واليمين المتطرف على نحو التحديد وحتى كثير من انصار الوسط في اسرائيل مما قد يكسبه اصواتاً جديدة ويعزز من استراتيجيته الانتخابية بعدم السماح لحزب (قوة يهودية) العنصري المتطرف بزعامة ابن غبير بأن يتجاوز نسبة الحسم .
ومن جهة اخرى فإن نتنياهو يفتح الباب امام خيارات جديدة تجاه غزة مما يسمح له بالمناورة السياسية الداخلية مع بقية الاحزاب المتوقع ان تكون جزءاً من تشكيلة الحكومة الاسرائيلية القادمة .
ومن جهة ثالثة، فقد تعتبر تصريحات نتنياهو رسالة تحذير لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بضرورة الحفاظ على الهدوء والاستمرار في مسار التهدئة البطيء بين اسرائيل وغزة وهي رسالة تحذير رفضتها المقاومة في غزة لكنها وعلى الارجح ستتخذ كل الاجراءات والاستعدادات الضرورية لمواجهتها حال وقوعها .
لهذا كله تبدو تصريحات نتنياهو - وعلى الرغم من الجرعة الزائدة غير المسبوقة في جديتها تكتيكات سياسية موجهة بالدرجة الاولى للداخل الاسرائيلي ثم لفصائل المقاومة في غزة اكثر منها تغير عميق في رؤية نتنياهو السياسية والاستراتيجية تجاه غزة كما قد يبدو للوهلة الاولى .
وبالمقابل وعلى الرغم من اهمية تصريحات نتنياهو المتعلقة بغزة الى انها لا تدل على اهتمام اسرائيلي ملحوظ بالقضية الفلسطينية الا من باب التهديدات الامنية الواجب مواجهتها في اسرائيل ومن باب الحكم على سياسات نتنياهو بشكل عام وسياسته الامنية تجاه الجنوب بشكل خاص لذا فإن فرض قضايا الشعب الفلسطيني الكبرى على اجندة دولة الاحتلال بحاجة الى المزيد من التعاون الوطني لتحرك شامل ضد الاحتلال سياسياً وعسكرياً واعلامياً واقتصادياً وغيره .