من الواضح أن جميع عمليات الترويض التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفها السلطة الفلسطينية؛ بهدف كي الوعي وتدجين حالة المقاومة في الضفة المحتلة باءت جميعها بالفشل، وذلك على ضوء تصاعد عمليات المقاومة.
ولم تجد تلك المساعي الحثيثة لإخماد نار المقاومة بالضفة إلا المزيد من عمليات الطعن والدهس ومن قبلها عمليات إطلاق النار والتفجير عن بعد للمستوطنين وجنود الاحتلال الذين يواصلون اعتداءاتهم على المواطنين الآمنين في مختلف مدن الضفة.
تنسيق وإحباط
قبل أيام نجح فلسطيني في تنفيذ عملية طعن جديدة في بلدة عزون شرق قلقيلية، أدت إلى إصابة مستوطنين وصفت جراح أحدهما بالخطيرة، فيما تمكن منفذ العملية الانسحاب المكان، قبل أن تسلمه السلطة لجنود الاحتلال.
وأفادت مصادر محلية أن قياديا في حركة فتح يدعى أمين منصور وهو طبيب أسنان في عزون قام بضرب منفذ عملية الطعن وسلمه لمخابرات السلطة، وساعد المستوطنين المطعونين وسلمهم لجنود الاحتلال.
وأوضحت المصادر أن الطبيب منصور تذرع بما فعله بحجة أن المستوطنين خرجوا من عيادته بعد تلقيهم للعلاج، وهو ما يفضح حجم التخاذل والتآمر من البعض وتقديم المصالح الشخصية على المبادئ الوطنية.
وسبق ذلك العديد من العمليات التي كان أبرزها تفجير عبوة ناسفة عن بُعد؛ أدت إلى مقتل مستوطنة وإصابة آخرين قرب مستوطنة دوليب غرب مدينة رام الله، والعديد من عمليات الطعن والدهس ردا على انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه.
وأفادت الدائرة الإعلامية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية المحتلة، أن شهر أغسطس الماضي شهد تنفيذ (402) عمل مقاوم ضد الاحتلال في الضفة، أسفرت عن مقتل 2 من جنود الاحتلال وإصابة آخرين.
وأوضحت الدائرة أن أبرز علميات المقاومة خلال الشهر الماضي كانت عملية قتل جندي إسرائيلي ومحاولة أسره بالقرب من الخليل، وكذلك عملية التفجير النوعية والتي قتلت فيها مجندة إسرائيلية وأصيب اثنان من المستوطنين.
ووفقاً لتقرير الدائرة، نفذت المقاومة (4) عمليات طعن ومحاولة طعن أخرى، و(11) عملية زرع وإلقاء عبوات ناسفة محلية الصنع، وعمليتي إطلاق نار، وعملية دهس وأخرى عملية خنق.
ويعقب الكاتب والمحلل الإسرائيلي في صحيفة هآرتس العبرية عاموس هرئيل، على ذلك قائلا "هذه السنة كانت هناك محاولات لتنفيذ عدة عمليات في الضفة الغربية، في بداية الشهر أعلن "الشاباك" أنه كشف خلية لـ "حماس" كان أعضاؤها ينوون وضع عبوة في القدس، وفي السنة الأخيرة أيضا كشفت أجهزة أمن السلطة محاولتين لوضع عبوات ناسفة على الشوارع التي تسافر فيها دوريات للجيش الإسرائيلي.
ويذكر الكاتب هرئيل في مقاله بهآرتس أنه في أقل من أسبوعين قتل العديد من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين وأصيب آخرين، لافتا إلى أنه لا يوجد قاسم مشترك واضح بين كل هذه العمليات، لكن من الصعب الحديث عنها فقط كتوجه لعمليات "ذئاب فردية".
ويٌشير إلى أن هذه الدلائل المقلقة تم تشخيصها مسبقا في الطرفين، ويزعم أنه ليس هنا فقط موجة عفوية لمقاومين فرديين، بل دلائل على تنظيم خلايا محلية، عدد منها مرتبط بالتنظيمات، ويعمل بتشجيع حثيث من قيادة "حماس" المسؤولة عن ذلك في القطاع، والتي تسمى "قيادة الضفة"، على حد وصفه.
نجاح للمقاومة
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب أن استمرار وتيرة العمليات حتى ولو فردية بالضفة تعكس الروح الوطنية لدى الشباب ورفض واقع الاحتلال من جهة والتنسيق الأمني من جهة أخرى.
ويوضح الغريب في حديثه لـ"الرسالة" أن العمليات أثبتت نجاعتها وهو بالتأكيد نجاح يسجل للمقاومة وفشل للتنسيق الأمني مع الاحتلال وبالتالي هذه النماذج تؤكد أن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني الا المقاومة لنيل حقوقه.
ويبين أن الحالة الأمنية والملاحقة الإسرائيلية وسياسة التنسيق الأمني فشلت في وأد روح المقاومة ولم تستطع تكبيل أياديها، ودليل أن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى استعادة حقوقه والرد على جرائم الاحتلال من خلال أشكال متعددة من المقاومة حتى لو كانت فردية أو شعبية أو حتى مسلحة.
ويلفت إلى أن الأمر يؤكد صوابية خيار المقاومة والشعب التي تحاول بعض الأطراف استئصال المشروع المنغرس في عقول الفلسطينيين.
ويؤكد الكاتب ياسين عز الدين أن كل محاولات الاحتلال والسلطة لوقف عمليات المقاومة بالضفة والحفاظ على الهدوء النسبي باءت بالفشل، مرجعا ذلك إلى أن الغليان الشعبي والرغبة القوية بالعودة لخيار المقاومة تفجر في أكثر من مناسبة.
ويوضح عز الدين في مقال له أن انتفاضة القدس أطلقت سلسلة طويلة من العمليات (المستمرة حتى يومنا هذا) إلا أنها بقيت في معظمها عمليات فردية لا تحتاج لإمكانيات كبيرة (عمليات طعن ودهس في معظمها وهذه أدواتها بسيطة ومتوفرة).
ويشير إلى أنه ما زال أمام المقاومة في الضفة الكثير لتفعله حتى تستطيع كسر الجدار الحديدي الذي بناه الاحتلال خلال الـ 15 عامًا التي تلت انتهاء انتفاضة الأقصى، منوها إلى أن عملية بوبين أثبتت شيئًا مهمًا وهو أنه حتى المستحيل ممكن القيام به، إن توفرت الإرادة والعقول المنفذة.