على عكس ما كان يشتهى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثانية خلال العام الجاري، متقاربة بين حزبه الليكود وحزب "أبيض أزرق" برئاسة غريمه السياسي "بيني" غانتس.
وبعد الفرز النهائي لنتائج الانتخابات فإن حزب "أزرق أبيض" حصد 33 مقعدا في حين حصد حزب الليكود 31 بينما حصلت القائمة المشتركة 13 مقعدا وحزب وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان على 8 ليشكل الأخير بيضة القبان التي تمكن أحد الحزبين الكبيرين من تشكيل حكومة في حال التحالف معه.
وتشير النتائج إلى تراجع التصويت لحزب نتنياهو الذي حصد مقاعد أعلى في انتخابات أبريل الماضي، مما قد يدلل على أن التصعيد والأحداث الأخيرة وصواريخ غزة تسببت لنتنياهو بحرج شديد وأنزلته إلى الملاجئ مؤخرا عندما كان يروج لنفسه في مستوطنة اسدود،و قد تكون شكلت الفارق ودفعت مستوطني الغلاف إلى العزوف عن التصويت له بسبب سياساته التي يصفونها بالركيكة اتجاه التعامل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وتضع تلك النتائج مستقبل نتنياهو السياسي على المحك، فإما ينجح الرجل بتشكيل حكومته اليمينية وإقناع ليبرمان بالانضمام لها، وهو أمر غاية في الصعوبة بسبب الشروط التي يضعها الأخير للمشاركة في حكومة نتنياهو، أو سيدفع باتجاه انتخابات جديدة ثالثة، كون المشاركة في حكومة وحدة وفشله في تشكيل الحكومة سيهوي به إلى السجن؛ بسبب قضايا الفساد التي تلاحقه.
ويواجه بنيامين نتنياهو قضايا فساد وتهم بالرشوة، الأمر الذي قد يؤدي إلى زجه بالسجن في حال لم ينجح بتشكيل حكومة يمينية ويدفع من خلالها الكنيست لتمرير قانون الحصانة؛ والذي يتم بموجبه منع استجواب النائب العام الإسرائيلي لرئيس الوزراء.
انتخابات جديدة
ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي د. صالح النعامي أن نتنياهو أو حتى خصمه غانتس لن يستطيعا تشكيل حكومة إلا بمشاركة ليبرمان؛ الذي زاد تعقيد الأمور مؤخرا بعد أن وضع شرطا أنه لن يوصي رئيس الدولة ريفلين، بتكليف أي من الشخصين إلا في حال تشكيل حكومة وحدة وهو ما يشكل معضلة لنتنياهو.
ويوضح النعامي في حديثه أن ما يعني نتنياهو هو أن يمرر الكنيست المقبل قانونا يمنحه الحصانة من المحاكمة كون أن قضايا الفساد الثلاثة التي سيحاكم بها يمكن أن تزجه بالسجن 15 عاما؛ لذلك سيدفع نتنياهو بقوة إلى انتخابات ثالثة حال لم يستطع أن يشكل الحكومة بمفرده.
ويتضح ذلك من خلال حديث عضو الكنيست الإسرائيلي يائير لابيد الذي قال إن نتنياهو يحاول جر (إسرائيل) إلى انتخابات ثالثة، وإنه غير مستعد لقبول نتائج الانتخابات والأغلبية، هذا هو الغرض من تأسيسه لكتلة الابتزاز والمتطرفين.
إلى جانب ذلك قال عدد من رؤساء أحزاب إسرائيلية يمينية-متدينة شاركوا في اجتماع مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه أعرب أمامهم أنه يرغب بإجراء انتخابات للمرة الثالثة.
ووفقا لادعائهم، نتنياهو قال بنفس الاجتماع أن إقبال الناخبين في معاقل الليكود ومستوطنات الضفة الغربية كان ضعيفا، وهو متأكد أنه فيما لو نذهب إلى انتخابات أخرى، فإن الإقبال على التصويت في هذه المناطق سيكون عاليا.
ويشكك النعامي في أن يكون نتنياهو معنيا بحكومة يمينية تضم ليبرمان أو غيره بقدر ما هو معني بتمرير قانون الحصانة، لذلك يحاول الدفع باتجاه إعادة الانتخابات -ما لم يحدث تمر ضده من الليكود- على حد وصفه.
ويرى أن نتنياهو التقى قادة اليمين والأحزاب الدينية لضمان عدم انضمامهم لحكومة برئاسة منافسه غانتس، مردفا أنه ما لم يحدث تمرد ضد نتنياهو داخل حزب الليكود، فإنه سيدفع نحو انتخابات ثالثة لينجو من السجن.
تمرد داخلي
ويؤكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر أن النتائج جاءت بعكس انتخابات أبريل، مستوطنو غلاف غزة يتراجعون عن تأييد نتنياهو بسبب سياسته تجاه قطاع غزة، مشددا على أن مشهد إنزال نتنياهو عن المنصة في أسدود أثر سلبا على تصويت المستوطنين لصالحه.
ويوضح أبو عامر أن التسريبات المتزايدة تتحدث عن بوادر تمرد داخلي في حزب الليكود على نار هادئة للإطاحة بنتنياهو، الذي رفض المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة خشية حصول انقلاب عليه!
وبين أن نتنياهو يدعو غانتس لتحريك حكومة الوحدة فيرد عليه الأخير: هذه مناورة إعلامية ضعيفة، رجل غير واقعي ومنفصل وخطير؛ يرفض نتائج الانتخابات، منذ متى يدعو الخاسرون الفائزين؟ وقتما نريد نحن سندعو لحكومة وحدة.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن نتائج الانتخابات وضعت نتنياهو في مأزق شديد وجعلت منه عبئا على دولة الاحتلال، بعد أن بات وجوده يجعل الطريق لتشكيل حكومة إسرائيلية مغلقا، فيما ستبقى الأيام القليلة المقبلة كفيلة بكشف ما ستؤول إليه الأمور.