قال رئيس أركان الجيش الاحتلال الأسبق، والقيادي في كتلة "كاحول لافان"، عضو الكنيست غابي أشكنازي، إنه لا يوجد قرار في إسرائيل بالقضاء على حكم حركة حماس في غزة، وأن الخيار العسكري ضد إيران لمنع حيازتها على سلاح نووي ما زال قائما، وأن على نظام الرئيس السوري بشار الأسد أن يدفع ثمن الوجود الإيراني في سورية، لكنه رأى أن التهديد الأخطر على إسرائيل هو تآكل وتفتت التكتل والوحدة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي.
واعتبر أشكنازي أن "سر قوتنا بوحدتنا، وبحقيقة أنه يوجد إجماع قومي على معظم المواضيع. لماذا نحن هنا؟ أية دولة نريد؟ ما هي الواجبات المدنية؟ ماذا تعني سلطة القانون؟ ما هي الديمقراطية؟"، وذلك في مقابلة معه نشرتها صحيفة "معاريف" اليوم، الأحد. لكنه حذر من أنه "في الوقت الذي يتفتت فيه الإجماع القومي حول هذه المواضيع، فإن هذا سيفكك المجتمع الإسرائيلي ويمكن أن يشكل خطرا على المشروع الصهيوني كله".
وأضاف أشكنازي أنه "قبل عشر سنوات اعتقدت أن المشكلة الأساسية كانت اجتماعية – اقتصادية". وأردف مهاجما رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي يواجه شبهات فساد خطيرة، ويمنع في هذه الأثناء تشكيل حكومة بعد جولتي انتخابات عامة للكنيست. "ما هي سلطة القانون؟ هل الجميع متساوون أمام القانون؟ ألا يوجد أي أحد فوق القانون، حتى لو كان رئيس الحكومة؟ لا يعقل أن يظهر المستوى السياسي، الذي يقود الدولة، قدوة شخصية من هذا النوع. واختيار الكلمات والخطاب الصحيح هام جدا في هذا السياق. الكلمات تسبب إصابات وشروخ وانقسامات (في إشارة إلى خطاب نتنياهو واليمين بتخوين المعسكر الخصم). وينبغي الاهتمام ألا يكون المجتمع منقسما، وألا تحرض القيادة الجمهور، وإنما تجميعه، كي نستطيع العيش سوية".
وتابع أنه "خلال حملتي الانتخابات الأخيرتين تجولت في البلاد. وأدركت أنه حول 80% من المشاكل والتحديات يوجد إجماع من جانب 80% من الجمهور. والمشكلة تكمن في القيادة، التي تستخدم المنصب والتأثير من أجل تقسيم المجتمع. فالدولة لا يمكنها أن تكون فئوية. وليس معقولا أن تملي أقلية سلم الأولويات القومي ورصد الموارد. وليس معقولا أن نهدر عاما ضائعا (بسبب جولات انتخابية) يمس بالمواطنين يوميا، فقط لأن رئيس الحكومة يريد إنقاذ نفسه من المحاكمة. متى كانت هنا حكومة غارقة بالفساد بهذا الشكل؟ أنظر إلى رئيس الحكومة والمحيطين به. جميعهم تقريبا شهود ملك أو مشتبهين بمخالفات خطيرة. وهو بنفسه يواجه ثلاث من أخطر شبهات/اتهامات في كتاب القوانين. وزراء مشتبهون بالجملة... لا يمكن تقبل واقع تعتبر فيه جماهير بأكملها أنها خائنة فقط لأنهم يحملون رأيا كهذا أو ذاك".
وأشار أشكنازي إلى أن "قوة إسرائيل لا تنبع من عدد الطائرات، الغواصات أو الدبابات، وإنما من حقيقة أنه يوجد هنا تكتل وإجماع قومي. وكل مرة خضنا حروبا كنا نشعر أن شعب إسرائيل كله يدعمنا. وأننا نخدم شيئا هاما. وهذا الأمر يتآكل الآن. والرواية بأننا نتقاسم ليس فقط ماض وحاضر مشترك، وإنما مصير ومستقبل مشترك، يتفتت. وهذا حصل لنا في العقد الأخير بشكل متسارع. وإذا اتسعت هذه التصدعات، ستفككنا من الداخل. والخطر على تكتل المجتمع الإسرائيلي أكبر من الخطر الإيراني".
حكم حماس
قال أشكنازي إنه قبل العدوان على غزة، في نهاية العام 2008 وبداية 2009، وكان رئيس أركان الجيش حينذاك، "جرى حوار شامل للغاية مع المستوى السياسي. وكان هذا مهم لي كرئيس هيئة الأركان العامة، وجزءا من دروس (حرب) لبنان الثانية... وبدأ هذا الحوار في أعقاب مطلب الكابينيت (الحكومة الأمنية – السياسية الإسرائيلية المصغرة) بالقضاء على حماس. وهذه تعليمات شرعية وبالإمكان تنفيذها. ولكن لأنه توجد مداولات، عليك أن تستعرض الثمن وتبعات ذلك. التكلفة والتبعات وماذا سيحدث في اليوم التالي (للحرب). وعندها ترى أن الحماسة تتراجع وتعريف الهدف (من الحرب) يتقلص. وفي النهاية، تقلص ذلك إلى تغيير الواقع الأمني من خلال توجيه ضربة شديدة لحماس وإعادة الأمن".
وأضاف أنه "إثر ذلك لاءمنا الخطة من أجل تحقيق هذا الإنجاز. لم تكن هناك خطة للقضاء على حماس. وفي هذه الأثناء نجحت العملية العسكرية، وتم تحقيق الإنجاز... وإسرائيل لم تشن حروبا (ضد حماس أو حزب الله) لأن قوة الجانب الآخر تعاظمت. فقوتنا تتعاظم أيضا. وثمة استثناء واحد فقط، وهو بناء أحد الأعداء سلاح نووي. وهذه معضلة دائمة".
سورية وإيران
اعتبر أشكنازي فيما يتعلق بسورية أنه "كان يتعين على إسرائيل بذل كل ما بوسعها من أجل منع وضع تتحول فيه إيران إلى مشكلتنا. وقد حذرنا (أريئيل) شارون من ذلك. وكان يحظر علينا أن نحصل على حصرية (مواجهة) إيران. وهذا ليس لأن إسرائيل ليست قوية. فنحن أقوياء. لكن من الأفضل ألا نكون في مقدمة الصراع مع إيران".
وأشار إلى أن انسحاب الولايات المتحدة، بإدارتها الحالية والسابقة، من الشرق الأوسط "ليست مجرد تقوقع، وإنما المصالح تغيرت. لكن الحقيقة هي أن الأميركيين ينسحبون، والهيمنة الإيرانية تتسع. والإيرانيون يتحلون بالصبر، وهم يطبقون خطتهم. ولا يمكن تجاهل ما يحدث في اليمن، وأن العراق تحت سيطرتهم، وسورية بأيديهم. وأنظر إلى العقد الأخير واسأل نفسك: إيران ضعفت أن ازدادت قوتها؟ صحيح أن العقوبات تثقل على الاقتصاد بشكل كبير، لكن تغيير النظام لا يبدو في الأفق، وعندما يلخص الإيراني الوضع، فإن وضعه الإستراتيجي تحسن، وهيمنته انتشرت، وبات لاعب إقليمي أهم".
وتابع أشكنازي أن "الإمارات انسحبت من اليمن، والسعوديون يبحثون عن تسوية ووساطة، وهذه الدول أشبه بالطيور الأولى التي تبشر بتغير ميزان القوى الإستراتيجي. وأنت ترى الجرأة الإيرانية المتزايدة في المستوى التقليدي وكذلك في المجال غير التقليدي. وانعدام رد على إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية، والاستفزازات في الخليج التي مرت بهدوء، كل هذا زاد شهية الإيرانيين. ولم نعتمد أبدا على الدول السنية كلاعب مركزي".
وحسب أشكنازي فإنه "سنضطر إلى إدخال مركبات أخرى إلى المعادلة، مثل الأسد. وعلى الأسد أن يدرك أن لا يمكنه أن يكون من يستدعي (الإيرانيين) والمضيف والذي يسمح لإيران بالعمل من أراضيه، فيما هو يجلس على المدرج ولا يدفع ثمن التذكرة. وعلى سبيل المثال، إذا تم إطلاق مضادات جوية سورية علينا، خلال تنفيذنا غارة، فإنه ينبغي جباية ثمن باهظ من منظومة المضادات الجوية على الفور. وهذا يمكن أن يجلبنا إلى حافة احتكاك مع السوريين أو الروس، لكن لا يوجد خيار هنا. وإذا كانت إسرائيل لا تريد رؤية الإيرانيين أو حزب الله عند الحدود السورية، فينبغي العمل".
واعتبر أشكنازي أن "حقيقة أننا سمحنا للمحور الشيعي بالانتصار في سورية هو خطأ إستراتيجي تاريخي. وكان بمقدورنا أن نعمل، دون إبقاء أثر واضح، من أجل المساعدة في إسقاط الأسد. تعين علينا أن نساعد الجيش السوري الحر والأكراد وغيرهم بشكل فعال وسري ضد الجيش السوري. وكان هذا ممكن حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عندما جاء الروس، وعندها أغلقت نافذة الفرص".
الخيار العسكري ضد إيران
ذكرت تقارير في نهاية ولاية أشكنازي كرئيس لأركان الجيش، في العام 2010 – 2011، أنه عارض هجوما إسرائيليا ضد المنشآت النووية الإيرانية، كان يخطط له في حينه نتنياهو ووزير الأمن، إيهود باراك. وحسب التقارير التي نُشرت وقتها، فإن أشكنازي استعان بالرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، من أجل إحباط هذه الخطة، وقد قام بذلك لأنه اعتقد أنه لا ينبغي أن تشن إسرائيل وحدها هجوما كهذا وإنما الأميركيين.
ويقول أشكنازي، الآن، "الخيار العسكري ضد إيران ما زال قائما، وينبغي أن نكون حذرين بالحديث في هذا الموضوع. والقول أننا عارضنا ليس صحيحا. فالجيش الإسرائيلي لم يكن ولن يكون الجهة التي يمكن أن تعارض. والجيش الإسرائيلي هو هيئة تقدم توصية وتنفذ. ونحن خاضعون لإمرة المستوى السياسي. وفي حال صدور القرار، فسوف ينفذ حتى لو كان مخالفا لتوصية الجيش. وهناك أمثلة على ذلك في التاريخ. ويكفي أن نتذكر معارضة الكثيرين في جهاز الأمن لمهاجمة المفاعل النووي في العراق".
وتابع أنه "صحيح أنه جرت مداولات حول هجوم عسكري في إيران، وليس صحيحا أننا لم نكن مستعدين لذلك. لقد بنينا هذا الخيار منذ بداية ولايتي (كرئيس أركان الجيش) وكنا مستعدين. واعتقدت حينها وما زلت أعتقد أنه يحظر على إسرائيل السماح بوضع تكون فيه إيران نووية. وإذا كان هذا منوط بخيار عسكري، فليتم استخدامه. ولذلك بنينا الخيار العسكري واستثمرنا موارد كثيرة. واعتقدت حينها وأعتقد الآن أيضا أن المبادرة للخيار العسكري ينبغي ممارسته فقط عندما يكون السيف على الرقبة، وأن هذا الخيار المتبقي. ولا أقدّر أننا كنا قي هذا الوضع".
وأضاف أشكنازي أن "الخيار العسكري ما زال واقعيا. ولم يتنازل الإيرانيون عن طموحهم للوصول إلى سلاح نووي. وعلى إسرائيل أن تعتمد على نفسها فقط. وعلى ضوء كل ما يحدث، يحظر أن نكون متعلقين بآخرين في هذا الصدد، وأنا مقتنع وأعرف أن يجري الحفاظ على الخيار العسكري".