بخطوات متثاقلة، غادر مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات البيت الأبيض الجمعة المنصرمة، تاركا خلفه بصمات الفشل في طرح الصفقة التي هندسها منذ أن وطئت قدماه البيت الأبيض.
الجدير ذكره أن استقالة غرينبلات لم تكن وليدة اللحظة وإنما أعلن عنها في أيلول/ سبتمبر الماضي مرجعا ذلك لأسباب تتعلق بأسرته، وكشف حينها أنه يخطط للبقاء إلى ما بعد نشر خطة صفقة القرن، ولكن تأجيلها المستمر دفعه لوضع حد نهائي لبقائه في موقعه.
ويعد غرينبلات مهندس خطة السلام الأميركية المعروفة بـ "صفقة القرن"، وأفيد أن أحد أسباب ترك منصبه هو تعثر احتمالات إطلاق صفقة القرن في المدى المنظور بسبب عدة عراقيل دفعته للمغادرة دون إتمام ما خطط له.
ويمكن القول إن ثمة أسباب عدة تقف خلف استقالة غرينبلات يكمن أولها في العراقيل التي واجهت وتواجه تشكيل حكومة (إسرائيلية) جديدة قادرة على تبني الصفقة وتنفيذها، لا سيما بعد فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة وإعادة كتاب التكليف والحديث عن إخفاق خصمه بني غانتس في تشكيل الحكومة والتوقعات بالذهاب لانتخابات ثالثة، وهو ما أعاق طرح الصفقة التي أعلنت الإدارة الأمريكية عن نيتها عرضها فور تشكيل الحكومة (الإسرائيلية).
ويبدو أن الرجل الأمريكي –يهودي الجنسية- والمقرب جدا من (إسرائيل) حاول البقاء في منصبه قدر الإمكان وتقديم الولاء بشكل أكبر، لا سيما وأنه كان متحمسا جدا لطرح صفقته إلا أن عدم استقرار الأوضاع السياسية حال دون ذلك.
وبالنظر إلى ثاني الأسباب فإنه قد يكون متمثلا بالتطور الأخير والمتعلق بالإجراءات التي أطلقها مجلس النواب الأمريكي الذي أعلن عن مرحلة جديدة ومعلنة للتحقيق في اتهامات بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد التصويت لأول مرة على المضي في إجراءات عزله.
وفي الحديث عن ثالث الأسباب التي دفعت غرينبلات للاستقالة ومغادرة البيت الأبيض؛ فإنه لا يمكن أن يكون ما سبق بعيد عن قرب الذهاب إلى انتخابات أمريكية جديدة بعد ثلاثة أشهر من الآن، مع قرب انتهاء ولاية ترامب.
مُخطط مدروس
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أنه وإن كانت استقالة غرينبلات تعكس فشل الصفقة فإنه من المهم ذكر أن المخطط (الإسرائيلي) الأمريكي المدروس نجح في إنجاز قسم مهم منها كالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة وإنهاء ملف اللاجئين وتجفيف منابع المساعدات وعمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا.
ويوضح عوكل في حديثه لـ"الرسالة" أنه إلى جانب ذلك كان هناك أيضا استعجال لتحقيق البعد الإقليمي لهذا المخطط عبر مؤتمر البحرين ومحاولات تعزيز التطبيع بصفة عامة والذي لم ينجح كثيرا بسبب تردد العرب في الذهاب لعلاقة عميقة مع (إسرائيل).
وبين أنه أمام تلك المعطيات بات الطريق مغلقا لاسيما مع عدم وجود حكومة (إسرائيلية) وقرب الدخول في الانتخابات الأمريكية وإجراءات مجلس النواب الأمريكي لعزل ترامب.
ويشير إلى أن الأوضاع الداخلية والخارجية عجلت من استقالته ودفعته للانسحاب، بالتزامن مع استقالة أغلب المسؤولين في الإدارة الأمريكية ومن يتقلدون مناصب حساسة ما يدلل على سوء الإدارة الأمريكية التي لا تشجع عمل الكفاءات.
اكتمال المهمة
ومن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن فإن هناك مسارين دفعا لاستقالة مبعوث ترامب للشرق الأوسط، يتمثل أبرزهما في أن المحددات الرئيسية للصفقة قد جرى تطبيقها من البيت الأبيض والتصور لدى غرينبلات أن الملف قد استكمل، وما تبقى من الصفقة ليس مطلوبا منه وإنما من الإدارة التنفيذية للبيت الأبيض.
ويرى محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن الاحتمال الآخر أن تكون الإدارة الأمريكية قد اكتفت بالخطوات التي اتخذتها كنقل السفارة والاعتراف بالقدس وضم الجولان كافية، والظروف التي يواجها ترامب على الصعيد السوري والعراقي وغيره يستدعي منه عدم البقاء في هذه الساحة والانتقال لساحات أخرى.
ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية تدرك أنه لابد من التحول لمنطقة أخرى مثل إيران وجنوب شرق آسيا وغيرها من الملفات الأخرى التي تستدعي وجود أشخاص جدد لإنجاز ملفات جديدة، عدا عن علاقة غرينبلات مع باقي أفراد طاقم الإدارة الأمريكية.