حاول الاحتلال (الإسرائيلي) بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو استعادة صورة الردع مع قطاع غزة وتحقيق مآرب سياسية من خلال اغتيال القيادي في سرايا القدس بهاء أبو العطا، إلا أن رد المقاومة أفسد مخطط نتنياهو بالعودة إلى طريق الاغتيالات بدون دفع الثمن.
وخلال عملية اغتيال أبو العطا والساعات التالية لها، حرص نتنياهو وتبعه نفتالي بينت وزير الحرب الجديد على إظهار نفسيهما وهما يقودان المعركة من غرف الحرب -كما سموها-وهما يجلسان ويتشاوران مع قادة الأمن، كلٌ مع المقربين منه.
ومقارنة بأحداث وتصعيدات سابقة، فإن حجم الصور التي صدرت للإعلام (الإسرائيلي) خلال التصعيد الحالي كبير جدا، ويعكس الجو الذي يعيش فيه الاثنين، وماذا يريدان من وراء هذا التصعيد.
وخلال الأعوام الماضية استطاع الاحتلال الإسرائيلي اغتيال عشرات القيادات والكوادر في فصائل المقاومة، إلا أن هذه السياسية تراجع عنها الاحتلال بفعل ردود المقاومة خلال السنوات السبع الماضية، منذ اغتيال الشهيد القائد أحمد الجعبري وطبيعة الرد التي لاقها الاحتلال نتيجة الاغتيال، والذي كان أبرز ملامحه تتمثل في قصف مدينة تل أبيب المحتلة للمرة الأولى في تاريخ الصراع.
ولطالما برزت دعوات في الشارع (الإسرائيلي) لاغتيال قيادات وازنة في المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل تحرك القيادات السياسية بشكل معلن في كثير من الأحيان، إلا أن الحكومات الإسرائيلية كانت تتجنب ذلك، تخوفا من رد المقاومة الذي بات له تأثيراته الملموسة على الحياة بأكملها لدى الاحتلال.
وفي أعقاب اغتيال أبو العطا، أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية كافة على أنها لن تسمح للاحتلال بالعودة لمسلسل الاغتيالات، وهذا ما ظهر على أرض الواقع من خلال القصف المتواصل على كافة مدن ومستوطنات الاحتلال بمسافة تزيد عن 70 كم من قطاع غزة.
وفي التعقيب (الإسرائيلي) على المشهد، قال عميت سيجل من القناة 12 في مقالٍ على موقع القناة بعنوان "كيف وصلت إسرائيل إلى هذا الواقع المذهل؟"، إن بعد كل الثناء على التنفيذ الدقيق للجيش الإسرائيلي، في نهاية يوم القتال هذا، يجدر النظر إلى الواقع بأمانة، وليس من خلال الإحاطات الرسمية للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي والمقابلات المبهرة لوزراء الحكومة، وإذا نظرنا إليها بصدق، فسوف نرى صورة مذهلة.
وأضاف سيجل أنه في عام 2004، قضت (إسرائيل) على مؤسس حركة حماس أحمد ياسين وهو في طريقه إلى المسجد. قتل خمسة آخرون معه. كان هذا هو الحدث الأكثر دراماتيكية في تاريخ غزة، رد حماس بثلاثة صواريخ على النقب، لقد أرادت أكثر، لكن هذا كان كل ما في وسعها فعله.
وأوضح أنه بعد اغتيال قائد متوسط الحجم لمنظمة صغيرة بهاء أبو العطا، تم إطلاق 200 صاروخ واليد مازالت مبسوطة، ودولة إسرائيل ماتزال في حالة من الفوضى: تم إلغاء دوام نصف طلاب إسرائيل، والاقتصاد مشلول، وتم إعلان حالة الطوارئ من بئر السبع إلى رعنانا، وكل شيء في نطاق السيطرة.
وتابع: "كيف وصلنا الى هذا الواقع الصادم، التي يرسل فيها الجيش الإسرائيلي رسائل "طمأنة" لحماس، كيف وصلنا الى هذا الحال الذي تشعر فيه اسرائيل بالقلق لذلك تذكر انها لا ترغب بالعودة إلى سياسة الاغتيالات؟ ولماذا يتعين على رئيس الوزراء أن يبرر قتل الو العطا بأنه قنبلة موقوتة".
ويمكن الرد على الموقف (الإسرائيلي) من صعوبة العودة لمسلسل الاغتيالات بسهولة، أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لم تعد كالسابق من حيث القوة العسكرية والاستخباراتية والأمنية، حيث استطاعت على مدار السنوات الماضية صنع صورة للردع في مواجهة الاحتلال منذ عدوان عام 2012 وحتى التصعيدات الأخيرة في عام 2019.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تفرض معادلات استراتيجية في التعامل مع الاحتلال (الإسرائيلي) خلال السنوات الماضية، أبرزها وقف الاغتيالات، واستهداف المدنيين، وقصف المقار والمؤسسات المأهولة، وإلا فإن رد المقاومة حاضر وفوري.
وأوضح محيسن في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن الاحتلال (الإسرائيلي) يحاول استعادة صورة الردع التي كان يمتلكها قبل أكثر من عقد من الزمان، حينما كان يستطيع استهداف من يريد في الوقت الذي يحدده، في ظل محدودية رد المقاومة، إلا أن الوضع اختلف تماما في المرحلة الحالية في ظل القدرات المتنامية للمقاومة وقدرتها على ردع الاحتلال بشكل حقيقي.
وبيّن محيسن أن المقاومة الفلسطينية تتعامل مع التصعيد الحالي بشكل استراتيجي ومدروس، بما يجعل الاحتلال يندم على قراره بالعودة إلى الاغتيالات، وأن ما حصل بحق الشهيد أبو العطا يصبح من وجهة نظر (الإسرائيليين) خطأ لا يمكن السماح له بالتكرار، خوفا من الدخول في تصعيد عسكري مع المقاومة.