نأسف لقد قصفت تل أبيت " كلمات قالها مذيع مرتجف في كيان العدو لا تزال ترن في آذاننا منذ مساء الرابع عشر من تشرين ثاني نوفمبر 2012 عندما نجحت كتائب القسام في قصف تل أبيب للمرة الأولى في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
وكأنما إرادة الله عز وجل جعلت هذه المناسبة وهذه الحادثة التي غيرت كثيرا من معادلة الصراع مع الاحتلال ترتبط ذهنيا ووجدانيا بالشهيد القائد أحمد الجعبري (أبو محمد) وأن تكون رداً على استشهاده فاختلطت مشاعر الألم والأمل فأبدلت دموع الحزن على ارتقائه شهيدا قبل ساعات بدموع الفرح لقصف تل ابيب, إذ إن هيبة هذا الكيان وأحد أهم رموز وجوده ( تل أبيب ) قد سقطت وداستها هيبة المقاومة برسالة مفادها ها قد وصل القسام وهنا لم يعد لكم مقام.
لقد حاول الاحتلال أن يجعل من ثأره باغتيال أبو محمد نصرا يعوض هزائمه التي تلقاها على يديه بدءا بالوهم المتبدد وصولا إلى وفاء الأحرار التي كان صانعها الأبرز, فكان استشهاده ورد كتائب القسام ضربة جديدة وعنوانا سجل بمداد من نور لإنجاز من إنجازاته بتطوير المنظومة الصاروخية لتصل إلى قلب ووسط الكيان.
لقد كان الجعبري صاروخا في حياته لا يعرف حدا لطموحه في بناء المقاومة وامتلاك أدواتها, ثم أصبح صاروخا باستشهاده يصل إلى قلب كل مدننا وقرانا المحتلة ليزلزل أركان الغاصبين, كيف لا وقد استطاع مع إخوانه في قيادة القسام نقل المقاومة من فكرة إلى جيش ومن رصاصة إلى راجمة ترسم بمدياتها خارطة الوطن وحدود العودة.
إنه الإيمان بالمنهج والعزيمة المتقدة والإرادة الصلبة والإخلاص للعقيدة هو الذي رافق أبا محمد وجعل منه أيقونة ورمزا لكل من يؤمن أن فلسطين لا تقبل القسمة وأن حقوقنا لا تقبل التفاوض وأن دماءنا غالية نعم ولكنها تبذل رخيصة من أجل حلم نعمل لإحالته واقعا باستعادة القدس, وانه إما حياة تسر الصديق أو شهادة تغيظ العدا.
يدرك أبو محمد ورفاقه في قيادة حماس والقسام أن الواقع الإقليمي محبط وان المجتمع الدولي ظالم وان للمحتل رهبة وسطوة في عالم السياسة ويملك جيشا مسلحا حتى العظم ولديه من الإمكانات ما نعرف وما نجهل, ولكنه لم يتردد لحظة واحدة في عمله من أجل تغيير معادلات الصراع وموازين القوى وايقن ان القوة عناصر ثلاثة قوة الإيمان وقوة البناء وقوة السلاح فعمل على امتلاكها جميعا, وتحولت المقاومة الى جيش من حفظة القرآن يسعون لامتلاك ما تيسر من قوة وسلاح متقدم, وأثبت حيا انه يمكن كسر إرادة المحتل, فكانت وفاء الاحرار ثم اثبته شهيدا عندما وصل صاروخا يدك تل ابيب ويقرع أبواب القدس والخضيرة والعفولة وحيفا .
لقد استطاع ان يجعل من فلسطين الأرض سلاحا يحتضن في باطنها المجاهدين, تحميهم وتساندهم, فكانت الأنفاق إبداعا مقاوما وعنصرا من عناصر القوة فقاتل حتى بالصخور وبالرمال.
وفي الختام نقول ربح البيع أبا محمد وأثمر الغراس، فنعم الحياة عشتها في سبيل الله وكذا كان الرحيل كما ينبغي للأبطال أمثالك ، ولن نقول وداعا وإنما إلى لقاء في جنة الخلد على ذات الدرب .. درب الوطن والشهادة.