تنتشر جرائم القتل بشكل غير مسبوق في الداخل الفلسطيني المحتل في السنوات الأخيرة، وسط تقاعس وتواطؤ أجهزة الأمن (الإسرائيلية)، رغم مطالبات الأهالي بضرورة التحرك الجاد في سبيل إيقاف شلال الدم في مدن الداخل.
وشهد العام الحالي مقتل ما يقارب 80 مواطنا فلسطينيا في مدن الداخل المحتل، نتيجة جرائم قتل غالبا ما تسند إلى مجهولين لدى جهات التحقيق في شرطة الاحتلال، فيما لا تزال فوضى السلاح قائمة في مدن الداخل، في ظل عدم وجود رادع.
ووفقا لإحصائيات اطلعت عليها "الرسالة" فإن جرائم القتل أدت لمقتل 67 فلسطينيا في عام 2017، وأكثر من 70 فلسطينيا عام 2018، فيما اقتربت من 80 حالة منذ بداية العام الحالي، فيما يمثل السلاح المسروق من قواعد الاحتلال أول مصادر الأسلحة المستخدمة في الجرائم من ثم المهربة من الضفة والأردن.
وطالت جرائم القتل عشرات الشبان والفتيات تحت حجج مختلفة، فيما لم تسع شرطة الاحتلال للكشف عن ملابسات الجرائم، كما تفعل في حال كانت الضحية من المجتمع (الإسرائيلي)، حيث تجدر الإشارة إلى أن مستوى الجرائم في المجتمع العربي يبلغ 7 أضعاف معدل الجريمة في المجتمع (الإسرائيلي).
ويبدو واضحا أن الاحتلال (الإسرائيلي) يسعى من خلال هذه الحالة القائمة في الداخل إلى إشغال الشارع الفلسطيني عن الاهتمام بالقضايا الأساسية والوطنية كالدفاع عن المسجد الأقصى والتصدي لمحاولات التهويد وغيرها من سياسات الاحتلال بحق المقدسات والفلسطينيين.
وحاول الاحتلال بشتى الوسائل ضرب المجتمع الفلسطيني في الداخل من خلال الترهيب بالاعتقالات والقتل والإصابة، بالإضافة إلى هدم المنازل وعدم إعطاء التراخيص، بالإضافة إلى أساليب الترغيب، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعا في إبعاد الفلسطينيين في الداخل عن عمقهم العربي والإسلامي.
وفي التفاصيل، قال جهاد عويس أحد النشاط ضد العنف في الداخل المحتل لـ"الرسالة" إن حالة من القلق والخوف تنتشر في الأوساط العربية في الداخل المحتل خلال السنوات الأخيرة وقد تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، نتيجة استفحال الجريمة ووقوع عشرات الضحايا نتيجة لذلك.
وأضاف عويس أن انتشار السلاح بشكل واسع وتقاعس شرطة الاحتلال عن ملاحقة حملته، أو من يستخدموه في المشاكل العائلية أو الإجرام، وعدم اهتمام شرطة الاحتلال في قضايا القتل، وملاحقة المنفذين، تمثل أهم عوامل ازدياد الجرائم في مدن الداخل.
وبيّن أن سكان الداخل المحتل نفذوا عشرات الوقفات الاحتجاجية وحالات الإضراب التي استمرت لأيام في كافة مدن الداخل، إلا أن ذلك لم يغير شيئا في المشهد، في ظل عدم رغبة الاحتلال (الإسرائيلي) في إنهاء هذه الظاهرة على غرار إنهائها في المجتمع (الإسرائيلي).
وتشير الاستطلاعات والتقارير إلى أن معدلات الجريمة تزايدت بشكل متزامن مع افتتاح مراكز لشرطة الاحتلال في المدن والقرى التي تقطنها غالبية عربية في الداخل المحتل خلال السنوات الأخيرة، وسط تراجع لقوة مجالس العشائر والعائلات التي كانت تحل القضايا بين المواطنين قبل تفاقمها ووصولها لمرحلة الجريمة.
وفي التعقيب على ذلك، يقول المحلل السياسي المتابع للشؤون الإسرائيلية صلاح الخواجا إن الاحتلال (الإسرائيلي) يعي تماما حقيقة الأمور القائمة في الداخل المحتل، وأن أهدافه تتقاطع مع استمرار حالة الفلتان القائمة، بما فيها جرائم القتل.
وأضاف الخواجا في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن الاحتلال يسير في ثلاثة اتجاهات لاستمرار الوضع الراهن في الداخل، يتمثل في تسهيل تدفق السلاح إلى أيدي المجرمين، ومن ثم عدم الاهتمام بالمجتمع الفلسطيني في الداخل والتمييز بينه وبين المجتمع (الإسرائيلي)، بالإضافة إلى عدم متابعة قضايا القتل وإبداء الأهمية اللازمة للوصول للمجرمين.
وأوضح أن المشهد سيبقى على حاله بل سيزداد تعقيدا خلال الفترة المقبلة، في حال استمرار التجاهل (الإسرائيلي) لهذه القضية الخطيرة، بل السعي لتوسيعها بغض النظر عن الخسائر والضحايا.
وأشار إلى أن الاحتلال يسعى بذلك إلى إلهاء المجتمع الفلسطيني عن قضاياه الهامة والأساسية، والإنشغال بنفسه كجزء من العقاب على مواقفه الوطنية خلال انتفاضة الأقصى وما تبعها من أحداث سياسية مهمة.
وفي نهاية المطاف، فإن المثل القائل إن أردت أن تعرف الفاعل فابحث عن المستفيد، فإن الاحتلال المستفيد الأول من هذه الجرائم وحالة الفوضى التي تشهدها مدن الداخل المحتل، فمن الواضح أن للاحتلال دورا بارزا في استفحال الجريمة، ودخول المجتمع الفلسطيني في الداخل في أتون المشاكل العائلية وجرائم السلاح.