لم يكن من سبيل الصدفة أن تكون عملية اغتيال القيادي في الجهاد الشهيد بهاء أبو العطا، الوحيدة التي نفذتها (إسرائيل) منذ انتهاء حرب 2014.
فقد لعب تعاظم القوة الصاروخية للحركات الفلسطينية دورا مركزيا في المس بدافعية (إسرائيل) لتنفيذ عمليات الاغتيال، على اعتبار أن الرد الفلسطيني بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بات يؤثر بشكل كبير على الجبهة الداخلية والعمق المدني الإسرائيلي، بحيث أن (إسرائيل) باتت تأخذ بعين الاعتبار أن كل عملية اغتيال ستفضي بالضرورة إلى استهداف الجبهة الداخلية بالصواريخ بشكل يؤثر على أنماط الحياة الاجتماعية والواقع الاقتصادي، فضلا عن المس بمستوى الشعور بالأمن الشخصي والجماعي لدى الإسرائيليين.
ومما يضفي صدقية على هذا الاعتبار حقيقة أن رد حماس، أكبر التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة على اغتيال مؤسسها وزعيمها الشيخ أحمد ياسين عام 2004 لم يتجاوز إطلاق ثلاث مقذوفات صاروخية بدائية من طراز "قسام"، سقطت في مناطق مفتوحة في منطقة "غلاف غزة"؛ في حين عندما اغتالت (إسرائيل) قياديا متوسط المكانة في تنظيم آخر، مثل بهاء أبو العطا، قائد المنطقة الشمالية في الجهاز العسكري لحركة "الجهاد" مؤخرا، رد التنظيم بإطلاق حوالي 450 صاروخا، اضطرت (إسرائيل) بسببها إلى إغلاق جميع المرافق التعليمية والاقتصادية في القطاعين العام الخاص والعام في جنوب ووسط (إسرائيل)، على مدى يومي المواجهة.
من هنا، فقد تجنبت (إسرائيل) منذ العام 2009 تنفيذ عمليات اغتيال إلا في إطار حربي 2012 و2014، مما يعني أن اغتيال أبو العطا كان أول عملية اغتيال تتم منذ انتهاء حرب 2014.
لقد باتت (إسرائيل) تدرك أن الاغتيالات ستكون مرتبطة بالضرورة باندلاع حرب أو مواجهة محدودة؛ لذا لم تقم بعد انتهاء حرب 2009 بأية عملية اغتيال على مدى 4 سنوات تقريبا. وعندما قامت باغتيال أحمد الجعبري قائد الجناح العسكري لحركة حماس في نوفمبر 2012، فقد تم تصميم عملية الاغتيال لتكون نقطة انطلاق في حرب شاملة شنتها على الفصائل الفلسطينية، حيث ترافقت عملية الاغتيال باستهداف ما زعمت أنه مخازن سلاح ومنصات إطلاق صواريخ.
من ناحية ثانية اقترن الرد الفلسطيني على عمليات الاغتيال باستخدام الصواريخ بتأثيرات كبيرة على المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي. ففي أعقاب اغتيال القيادي في الجهاد بهاء أبو العطا، وعلى الرغم من أن "الجهاد" تولى لوحده مهمة الرد على الاغتيال بإطلاق الصواريخ، فقد اضطر الجيش الإسرائيلي إلى إغلاق جميع المرافق التعليمية والاقتصادية الواقعة على مسافة 80 كلم شمال قطاع غزة، حيث لم يتمكن مليون طالب إسرائيلي من التوجه إلى مدارسهم. وقد قدرت الكلفة الاقتصادية لتعطيل المرافق الإنتاجية في كل يوم من يومي المواجهة الأخيرة بخمسة مليارات شيكل (1 مليار و150 مليون دولار).
من ناحية ثانية جعل الحصار الذي يعيشه قطاع غزة وما رافقه من تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الفصائل الفلسطينية لأن تكون أكثر استعدادا لخوض غمار مواجهة مع (إسرائيل)، مما أسهم في تقليص دور عمليات الاغتيال في مراكمة الردع، على اعتبار أنه لا يوجد لدى غزة ما تخسره، حيث أن تنفيذ عمليات اغتيال سيمثل مسوغا لاندلاع مواجهة لا يخدم توقيتها المصالح الإسرائيلية دائما.
في الوقت ذاته، توقفت (إسرائيل) منذ العام 2009 عن استهداف القيادات السياسية لحركات المقاومة في القطاع واكتفت باستهداف المستويات العسكرية، أثناء حربي 2012، و2014. ويرجع هذا التوجه إلى اقتناع دوائر صنع القرار في (تل أبيب) بأن استهداف القيادات السياسية يؤجج الرغبة في الرد والانتقام لدى التنظيمات الفلسطينية.
وإزاء ما تقدم لم يكن من سبيل الصدفة أن كشف وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان السابق جادي إيزنكوت رفضا قبل عام اقتراحه باغتيال أبو العطا بسب التخوفات من تبعات هذا الاغتيال.
من هنا، فإن حرص المقاومة على مراكمة القوة العسكرية كان له بالغ الأثر في ردع الصهاينة عن مماسة عمليات الاغتيال، وهناك أساس للافتراض أن ردة الفعل الفلسطينية على اغتيال أبو العطا مثلت تغذية راجعة لهم لعدم العودة إلى هذه السياسة.