قائمة الموقع

مقال: طاقة أمل

2010-09-27T12:03:00+02:00

مؤمن بسيسو      

أخيرا تحرك قطار المصالحة وبدا أن نزلاءه يستعدون سويا لمواجهة التحديات العاصفة التي تهدد وجودهم وكيانهم وقضيتهم الوطنية.

أنباء اقتراب المصالحة لم تثلج صدور أهل غزة الذين أثقلهم واقع الحصار والمعاناة، وأهل الضفة الذين أرهقتهم سياط البطش والتعاون الأمني، فحسب، بل ضخّت دفقة جديدة من ماء الحياة في شرايين القضية الفلسطينية التي تعايش اليوم ارتكاسات ومخططات تصفية وإنهاء غير مسبوقة.

المصالحة في حد ذاتها لا تكفي لمد طوق النجاة للشعب والوطن والقضية، فهي محض خطوة تستلزم إتباعها بخطوات في إطار سلسلة من الخطوات والإجراءات "الإنقاذية" التي تكمل بعضها بعضا في سبيل استعادة ألق وحيوية القضية التي طمسها النهج الاستبدادي لقادة "فتح" و"المنظمة" في إدارة الشأن الفلسطيني من جانب، وطحنها الانقسام وتداعياته الكارثية من جانب آخر.

المصالحة تشكل بوابة الحل فحسب وليس الحل كله، ولا زال هناك الكثير من العمل اللاحق لتحصينها ووضع الآليات الكفيلة بوضعها موضع التنفيذ، وإن كان من السابق لأوانه الإفراط في التفاؤل بشأن نتائجها النهائية أو توقع حسم القضية في الأيام القادمة كونها حتما مقضيا!

علمتنا التجارب أن الانتظار لا يفيد كثيرا، وأن سرعة الحسم قد تكون من أوجب الواجبات قبل أن تتحرك الإدارة الأمريكية وتلقي بعصاها الناشز في دولاب الحل والمصالحة، وتمارس ضغوطاتها وتهديداتها بحق السلطة و"فتح" لعرقلة المسار التوافقي وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر من جديد.

في أفق النقاش حول موضوع المصالحة تنتصب قضيتين أساسيتين:

الأولى أن تحقيق المصالحة قد لا يقي قطاع غزة، وحماس تحديدا، من أي تهديد أو ضربة إسرائيلية، وإن كان ذلك من شأنه حرمان "إسرائيل" من هامش مناورة هام لا يستهان به أمام المحيط الدولي والرأي العام العالمي.

فالمخططات الإسرائيلية الجاهزة لن يعيقها أي توافق فلسطيني داخلي لا زال غامضا وقابلا للكثير من التصورات والاجتهادات، وإنما يكبحها توافق حقيقي ذو لبوس سياسي وأمني يتيح إدارة الصراع مع الاحتلال بشكل كامل بعيدا عن المؤثرات الخاصة أو الأجندات الخارجية.

أما الثانية فهي أن قضية الوطن، والمصالحة جزء أساس منها، لا تقاس وفق حسابات الربح والخسارة، فالعبرة في النهاية بما تحققه من كسب وفوائد للصالح الوطني العام بعيدا عن الحسابات الفصائلية الضيقة.

ما يحدث اليوم يشكل استدراكا بكل معنى الكلمة، فالشقاق والانقسام ما كان له أن يستمر ويتمدد حتى الوقت الراهن، وهو يعبر عن نضج متأخر تحت ضغط التحديات ونار الضغوطات التي تستهدف الكل الوطني الفلسطيني من الألف إلى الياء.

تحدث قادة من "حماس" عن أن الفلسطينيين جميعا خاسرون من جراء استمرار الانقسام، وتحدث آخرون من "فتح" عن أزمة تواجه الكل الوطني، وهي لغة جديدة وواقعية في القاموس الفصائلي الذي تحكمه مفردات التنافر والبغضاء والخطاب الملبد بالتشاحن والصدام.

لا تستطيع "حماس" إدارة غزة في ظل الوضعية الراهنة إلى الأبد، كما "فتح" التي تلطخ تاريخها الكفاحي الطويل، ونزع "فياض" أوراق قوتها وأفرغها من مضامينها، وأحال الضفة إلى محمية إسرائيلية بكل معنى الكلمة.

المشوار نحو الحل الوطني الشامل وتفكيك عُقَد الأزمات الفلسطينية الداخلية لا زال طويلا، لكن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة المصالحة وإنهاء القطيعة بين شطري الوطن، ولو كانت في إطار النصوص الإجمالية والخطوط العامة.

من الجميل أن تتسيّد الحكمة سياساتنا وقراراتنا الفلسطينية، وأن تتكرس رؤى واضحة لإدارة الملفات الفلسطينية الأساسية، ومن بينها إدارة العلاقة مع المحيط الإقليمي والدولي، على أساس كامل من استخلاص عِبَر المرحلة الماضية، بعجرها وبجرها، وإيجابياتها وسلبياتها، وبكل ما لها وما عليها.

حوارات اليوم فتحت طاقة أمل في جدران اليأس والإحباط لإعادة بناء ذاتنا الوطنية في الداخل والخارج، ومنحتنا شعورا بإمكانية اللقاء والشراكة بين الأشقاء من جديد.

هل تصيب آمالنا وتوقعاتنا أم ننكفئ من جديد؟! لننتظر ونرى.  

اخبار ذات صلة