ليلة الحادي عشر من نوفمبر، لم ينم الطفل عبد الله سويرجو - 5 سنوات – وهو ينتظر صباح الغد الذي سيأتي ليرتدي أجمل ملابسه وتلتقط له عدسة الكاميرا صورة جميلة في "الروضة" – تتحفظ الرسالة على ذكر اسمها- التي يتعلم ويمرح بها وسط أقرانه الأطفال الذين باتوا جزءا من عالمه الصغير.
دوما كان يتحمس "عبود" -كما يناديه أفراد عائلته- للذهاب إلى روضته فهو طفل ذكي محبوب بين أقرانه، فحبه لروضته ربما كانت بسبب قربها من بيته الذي يبعد عنها حوالي 100 متر، فعائلته كما تقول كان بإمكانها أن تضعه في روضة أخرى وسط مدينة غزة، لكنها فضلت أن يكون في مكان قريب ليتسنى لجده "أبو حسن" أن يوصل أحفاده يوميا إلى مدارسهم.
جهزت والدة "عبود" ابنها ليذهب إلى روضته، حضنها كثيرا دون أن تدري أنه الحضن الأخير، خرج مسرعا ليصل إلى روضته، لكن قلب اليوم رأسا على عقب، حينما ذهب جده "أبو حسن" بعد انتهاء الدوام ليصحبه إلى البيت لكن المفاجأة كانت حينما أبلغته المعلمات أن "عبود" في المستشفى سقط على رأسه وغرق في الدماء.
هرعت العائلة بأكملها إلى المستشفى، فقد ظنوا أن إصابة ابنهم بسيطة كسر أو غرزة في الرأس، كما ذكر والده محمد سويرجو خلال حديثه "للرسالة".
يقول سويرجو وهو يعمل صيدلي:" تفاجأنا عند موعد انتهاء الدوام في الروضة أنهم نقلوا ابني عبر الإسعاف الى المستشفى (..) توقعنا أن يكون كسرا عاديا كما يحدث للأطفال لكن المفاجأة كانت حينما وصلنا وكان في العناية المركزة في حالة غيبوبة".
وتابع:" حاول الأطباء إنعاشه وإجراء عملية جراحية له لاسيما وأن الجمجمة تكسرت ويحيطها الدم الذي نزل الى الرئة لكنهم لم يسيطروا على الوضع فتوفى ابني".
وبحسب قول سويرجو، بعد السؤال عن كيفية سقوط ابنه، اتضح انه وقع على رأسه وحينئذ لم يكن المدير التنفيذي في الروضة موجودا مما دفع المعلمة إلى الخروج للشارع لتصرخ وتستنجد بأحد المارة الذي نقل الطفل دون وسيلة مواصلات إلى أقرب عيادة حكومية لتقرر الأخيرة نقله بالإسعاف الى المستشفى.
وعن تواصل الروضة مع عائلة الطفل بعد الحادثة، ذكر والده أنه وعائلته في البداية رفضوا أن تتواصل معهم الروضة لاسيما أيام العزاء، لكن بعدما فض العزاء لم يأت أحد من العاملين في الروضة للحديث معهم وتوضيح ما حدث، مبينا أن حادثة ابنه تزامنت مع العدوان الأخير على غزة ووقتئذ أغلقت الروضة كحال جميع المؤسسات التي تعطلت عن العمل بسبب الأحداث، لكنها عادت للعمل بعد انتهاء العدوان وكأن شيئا لم يحدث.
"الرسالة" بدورها تواصلت عبر الهاتف مع المدير التنفيذي للروضة للحديث عن الواقعة، لكنه رفض المقابلة أو حتى التبرير بحجة أن إجراءات النيابة لم تنته بعد ولا يوجد شيء يمكن قوله.
في خضم بحثها حصلت "الرسالة" على نسخة خاصة من تقرير الطب الشرعي توضح أن الطفل تعرض لاختلاف في درجة الوعي ونقص حاد في الاكسجين وهبوط في الضغط وبالأشعة الطبقية، بالإضافة إلى وجود تهتك في الجمجمة ونزيف في الدماغ والرئتين، حيث تم عمل اللازم في الطوارئ، وأثناء دخوله العناية المركزة توقف القلب والرئتان وتم إعادة انعاشه لكن دون جدوى.
وعودة للحديث مع والد الطفل حول طريقة سقوط "عبد الله"، أكد أنهم لم يعلموا حتى اللحظة الطريقة التي سقط فيها بانتظار تحقيقات النيابة، مشيرا إلى أنه تقدم بشكوى للنيابة العامة بعدما وجد الروضة لم تحرك ساكنا تجاههم لتوضح الأمر.
ولايزال أفراد عائلة سويرجو ينتظرون نتائج تحقيقات النيابة العامة لمعرفة سبب وفاة ابنهم، لاسيما وأن الحديث في المرة الأولى لمعلمة الروضة أنه سقط من الأرجوحة، لكن بعد ذلك توحدت الاقاويل من داخل الروضة بأن السبب هو سقوطه عن الكرسي.
الصيدلي "سويرجو" فضل تقديم شكوى ضد الروضة خوفا من ضحايا جدد، مشيرا إلى أنه أراد تدخل الجهات المسئولة لفحص معايير السلامة في رياض الأطفال، محملا الروضة المسئولية الكاملة عن وفاة ابنه رغم تسليمه بالقضاء والقدر.
وذكر والد "عبد الله" أن عددا من أولياء الأمور توجهوا للروضة للاستفسار عن الحادثة، فكانت الردود غريبة، مما اضطر بعضهم لسحب أولاده منها.
وعن دور الوزارة في متابعة ملف وفاة الطفل داخل الروضة، قال سويرجو:" الآن توجد لجنة تحقيق وننتظر النتائج"، لافتا إلى أنه من الضروري أن يكون تحرك من الجهات المعنية لمراقبة رياض الأطفال ومدى تطبيق معايير السلامة كي لا يتجرأ الآخرون على فتح مشاريع تعليمية دون الأخذ بعين الاعتبار تلك المعايير.
وختم سويرجو حكاية ابنه: "كان ينتظر الاحتفال بعيد ميلاده الخامس في الثامن عشر من نوفمبر، لكن ذاك اليوم مضى ثقيلا"، مؤكدا أنه سيكمل إجراءاته القانونية للنهاية كي لا تكون هناك ضحية جديدة.
وكالعادة، عند متابعة أي قضية لابد من طرق أبواب جميع الجهات المعنية، فتواصلت "الرسالة" مع وزارة التربية والتعليم للحديث في تفاصيل الحادثة، وعن معايير السلامة، لكنها تفاجأت برد المسئول هناك، بقوله:" مش انتو بتحددو لو كان الموضوع مهم أو لا"!
يذكر أن عدد رياض الأطفال المرخصة في قطاع غزة وفق موقع وزارة التربية والتعليم 685 روضة، بينما لا توجد إحصاءات أو تقدير لعدد الرياض غير المرخصة.
وبلغ عدد الأطفال الملتحقين في رياض الأطفال في القطاع وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2018- 2019 " 66، 187 " طالبا وطالبة.
وتجدر الإشارة إلى أن الروضة التي وقعت فيها الحادثة، من ضمن رياض الأطفال المرخصة لدى وزارة التربية والتعليم بغزة.
وبعد البحث والاطلاع على وسائل الحماية والسلامة التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم عند منح التراخيص لأي من رياض الأطفال، تبين أن منها توفر أسطوانات إطفاء حريق، وصندوق إسعاف يحتوي على كافة المستلزمات الطبية، وحافلات مرخصة ومؤمنة لنقل الأطفال، وكذلك خلو الروضة من العوائق "درجات، أسلاك شائكة، “، ووجود درابزين للدرج بغض النظر عن عدد الدرجات.
وأن تكون الألعاب الخارجية متنوعة وسليمة وآمنة ومصنوعة من الفيبرجلاس ومطابقة للمواصفات والأخذ بعين الاعتبار تحديد مسافة "3" متر على الأقل بين كل لعبة وأخرى.
لم يغلق ملف الطفل "عبد الله سويرجو" بعد، لكن في ظل الصمت وعدم الحديث والتوضيح فيما يتعلق بحادثة وفاته واعتبارها حالة واحدة وليس من الضروري التطرق لها، يبقى السؤال هل ننتظر "عبد الله" آخر ليكون ضحية حتى تخرج الجهات المعنية للتوضيح؟