قائد الطوفان قائد الطوفان

قصة قصيرة "البَدِيلتيّن"

بقلم: رشا فرحات

في العرس كانت عروساً جميلة، على الرغم من ثوبها القديم، الذي استطاعت أمها استعارته من احد سيدات الحارة المتزوجات، ها هي اليوم تزف إلى كهل كبير السن، دون إرادتها، دون رضاها، دون استشارتها.  تريد أن تصرخ، تتألم، ترفض، لكنها لا تقوى، فأخاها لا يملك مهرا للزواج من غريمتها، ولا يستطيع استدانة ثمن الزواج، فهو لن يقوى على سداده طول العمر، فضيق ذات اليد، وفقره المدقع لا يسمح له بالزواج من امرأة تتميز بصفات تلك الغريمة الجميلة والتي تجلس بجانبها دون رضاها هي الأخرى، لكنه يملكها هي، وسيلته الوحيدة وكنزه الثمين الذي يستطيع أن يدفعه ثمناً لمن يرضى أن يزوجه ابنته.

أحلامها لم تكن كبيرة على الحقيقة، لقد ارتضت في أحلامها دراسة فقط، وعلما، لم تطلب أكثر، لم تجادل ولم تسمح لنفسها بأن تحلم، يا ريتها تمنت شيئا أو سمحت لخيالها بالتحليق في الفضاء، في وقت كانت فيه الأحلام مسموعة، لكنها اليوم بدون أحلام، بدون واقع، مجرد بديلة مرهونة بأقدار الأخرى، ذهبت المدرسة والجامعة أدراج الرياح، دون أن تبدأ خيالاتها بالتحليق، فلا أحلام ولا خيالات، ولا نفقة ولا مهر ولا كسوة، مجرد جثة امرأة وجسد غض، يرمى في حضن رجل لا تعرفه ولم يكن يوما في خيالاتها، فلا بكلمة نعم ولا بكلمة لا قد تفوهت.

غريمتها أيضاً، مجرد فريسة، تزف هي الأخرى بثوب قديم، فلم تستطع أن تحصل على مهر لشراء ثوباً أو مصاغا، أو لترضي عزة نفسها وكينونة أنوثتها، فهي مجرد بدل، مقابل امرأة أخرى تخرج هي ثم تدخل تلك إلى مكانها، وهاهي تسلم إلى هذا الشاب ثمنا لزواج تلك الجميلة من والدها، شعورها بالمهانة والظلم لا يغير من الأقدار شيئا، دموعا تنهمر من عيناها، لا تغير ولا تبدل، أصبحت ملكا لهذا الرجل الذي لا تريده.

في ثوبها الأبيض تجلس بفم فاغر، محدق من تلك الصدمة وسرعة تحقيق القدر، فمنذ أربعة أيام علمت فقط عن أمر هذا الزواج، ومرت الساعات مسرعة دون قدرتها على تجرع الحقيقة، وما زالت إلى أن جلست هنا بجانب هذا الرجل غير مصدقة لما يدور، أصوات الغناء والعرس والزغاريد، كلها مجرد حلم فارغ، عقلها يكاد ينفجر، لا فرحة في هذا المكان تلف الجالسين الراقصين حولها، وثوبها الملطخ بوجع الاغتصاب يكاد يخنقها، فتتألم روحها البريئة لرخص الصفقة وبخل الدافعين، الفاغرين أفواههم إلى جانبها ضاحكين لتلك الزيجة المجانية التي سقطت عليهم من السماء دون أي تكلفة.

أحلامها تعود بها إلى الوراء، إلى زوج كانت تحلم باختياره بمليء إرادتها، إلى ثوب ابيض تشتريه بمهرها الذي شرعه لها الله، إلى بيت تختار قطعه المتناثرة كما تحلم، فتبني وتهدم كما تريد، ثم تؤسس على هواها أحلام الزوجية التي تتمنى، ولكن لا حق لها في الاختيار الآن، روحها مرهونة بتلك المرأة الجالسة بجانبها، والمتجرعة لنفس الكأس الذي تتجرعه هي الآن، والتي ستعلن بعد ساعات هزيمتها كما ستعلنها هي، ستتوقف أحلامها فجأة، ثم تتجرد من الأحاسيس، فلم يسمح لها بقول نعم، ولم يسمح لها بقول لا..

بعد ساعات أعلن الرجلين عن إتمام صفقته، ولوح برجولته عن نصره في هزيمة امرأتين رافضين لهذا الاغتصاب ..وبعد أشهر معدودة جرت كل واحدة منهما كجندي مهزوم منكسر الخاطر.. لتعود من حيث أتت، فأحد المنتصرين أعلن عن انتهاء الصفقة.

 

البث المباشر