كسرت الولايات المتحدة قواعد معادلة الصراع في اغتيالها لمسؤول العمل العسكري الخارجي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في حادثة يجمع الاستراتيجيون العسكريون على أنها نقطة تحول في أحداث المواجهة بين الطرفين.
العداء الذين يعود جذوره لأربعين عاما سبقت، وصل ذروته باغتيال "المهندس" الأبرز للسياسة العسكرية الإيرانية الخارجية، قبيل لحظات من الانسحاب الأمريكي من العراق.
وشهد العراق استهدافا أمريكيا لعدد من مواقع الحشد الشعبي قبل أيام، إلى أن جرى استهداف سليماني الى جانب أبو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد الشيعي.
خيارات الرد
د. وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك الأردنية، يقول إنّ الايرانيين سيبحثون عن هدف فيه مواصفات محددة مثل: له قيمة رمزية+ غير متوقع ضربه أو غير متوقع في طريقة ضربه+ يوقع خسائر موجعة + ملتبس في من قام بضربه أهي ايران أم حلفاؤها؟
لكن الامر قد يأخذ مسارا آخر ، وهو المسار الدبلوماسي من خلال تكريس ايران ضغطا هائلا على الحكومة العراقية لاتخاذ قرار واضح يطالب الولايات المتحدة بالخروج بقواتها من العراق، وهو امر قد تكون نتائجه لإيران افضل استراتيجيا من ضرب هدف عسكري او ما شابه، تبعا لقوله.
ويضيف: " الاهداف الأمريكية- والإسرائيلية- أوسع مما نعتقد ، فللولايات المتحدة قرابة 800 مركز او قاعدة او مرفق عسكري في مختلف ارجاء العالم، ولها حوالي ما بين 60 الى 70 الف جندي في الشرق الاوسط وحوله يتوزعون على 36 قاعدة او مقر حول ايران ، منهم 14 الف في افغانستان، و7000 في البحرين و5000 في العراق و 13 الف في الكويت، وحوالي 3000 في الاردن ،و 13 الف في قطر و 3 آلاف في السعودية وقرابة الف في سوريا وخمسة آلاف في الإمارات ناهيك عن قوات في المياه المحيطة بالمنطقة وفي تركيا ...الخ".
وبالمقابل يدرك الايرانيون أن تصعيد العلاقة مع واشنطن في وقت تعاني ايران من محنها الاقتصادية الناتجة عن الحصار الأمريكي وبعض الاوروبي لها، هو امر يحتاج لقدر كبير من الروية، وقد يسعى الايرانيون للرد بطريقة تختبر فيها حلفاءها الذين شاركوها المناورات البحرية قبل ايام بخاصة روسيا والصين، وستعمل على الابتعاد في ردها عن أطراف خليجية لها معهم بعض العلاقات مثل قطر وعمان والكويت.
ولف عبد الحي، إلى أنّ عمر النزاع الأمريكي الإيراني الى أربعة عقود متوالية ، والضربات المتبادلة والكر والفر بينهما لم يتوقف طيلة هذه الفترة، أي أن البيئة الصراعية بين الطرفين ولهذه الفترة الطويلة تجعل اية مواجهة ليست إلا جولة من جولات الصراع.
ورأى أن "اغتيال سليماني أي عنصر مفاجأة، بل كان أكثر من متوقع".
وتابع: "الايرانيون لديهم رؤية مسبقة ، فلن يجلسوا ليتناقشوا ما هو الرد، فقد تكون خطة الرد موجودة قبل الاغتيال ، لا سيما ان الإيرانيين يعلمون ان اسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة وضرب ناقلات البترول واعتراض السفينة البريطانية واحتجازها وتدمير المنشآت النفطية السعودية وتنامي القدرات العسكرية لأنصار الله في اليمن وفي لبنان قد تصل لنقطة المواجهة عالية الاحتمال مع أمريكا واسرائيل منفردتين او مجتمعتين بل ومعهما بعض " الاعراب".
وتوقع أن يوظف الإعلام الايراني الحدث بشكل يساهم في مزيد من التأييد الشعبي للحكومة الايرانية ، وتوظيفه لامتصاص بعض الاحتقانات الشعبية في الجسد الإيراني ، وهو امر لن يتوانى الايرانيون عن توظيفه من خلال رسم صورة موجودة في العقل الايراني ان الغرب يتآمر علينا ولن يتركنا وشأننا مهما حاولنا.
وأشار إلى ان تبني ترامب للعملية بشكل واضح، بل والزهو بها يشير الى انه يريد أيضا ان يوظفها انتخابيا، سواء بجلب مزيد من أصوات اللوبي اليهودي والمسيحيين الانجيليين ناهيك عن احراج الحزب الديمقراطي في ضغوطه لعزل ترامب وصرف الانظار عن محاكمته باتجاه مواجهة ايران.
وأكدّ عبد الحي، أنّ اغتيال سليماني فتح المسرح العالمي امام ايران، وما عليها الا اختيار باب الدخول"، متابعا: "ستكون ساعات الانتظار طبقا للتوقيت الايراني وليس التوقيت العربي".
وتساءل "هل يكون اغتيال سليماني مدخلا لجهد دولي لفك عقدة استعصاء العلاقات الامريكية الايرانية؟ ان التوتر المتزايد سيعيد اسعار النفط للارتفاع(وهو امر لا تحبذه اوروبا والصين) وتحبذه روسيا، واشتعال الحرب في الخليج سيجعله يصل لارقام فلكية، وهو ما سيحث الدول المتضررة على محاولة استرضاء ايران للجم غضبها مقابل ثمن يدفعونه لها".
واستشهد عبد الحي بمقولة مولتكة : " كنت اظن أن العدو سيأتي من احدى الجهات الاربع..لكنه كثيرا ما جاء من الجهة الخامسة"...فقد تأتي ايران من الجهة الخامسة " قد تكون اسرائيل من ضمنها.
الأيام سجال
الخبير الاستراتيجي أنيس النقاش، قال بدوره إن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا، "ولننتظر كيف ستتلقى الولايات المتحدة الرد".
ورأى النقاش في حديث خاص بـ"الرسالة نت" ان اغتيال سليماني قبيل الانسحاب من العراق، محاولة أمريكية لتسجيل علامة انتصار عبر الانتقام من الشخصيات التي صنعت لها الهزيمة، تبعا لقوله.
وأضاف :"بهذه العملية هم سرعوا خروجهم ليس فقط من العراق بل من الإقليم برمته، والأيام سجال بيننا".
الخبير الاستراتيجي أمين حطيط، كان قد لخصّ في مقابلة سابقة مع "الرسالة نت" المعادلة العسكرية الإيرانية في الرد.
وقال حطيط إن الرد الإيراني محكوم بقاعدة عسكرية أساسية وهي: "على الطرف الأول أن يقوم بالفعل في ميدان ينشئه هو وأن يتجنب رد الفعل في ميدان ينشئه العدو".
ويضيف حطيط : "هناك قاعدة عسكرية أخرى تحكم الرد الإيراني وهي: "على الطرف في المواجهة أن يتقيد بجدول الأولويات التي يضعها لنفسه خدمة للمهمة ولا يكون العامل الآخر بمثابة انحراف عنها".
أما حدود وزمان مسرح العمليات فهي بالنسبة لإيران مفتوحة وليست محصورة لا في ارض ولا زمان، وطليقة اليد في كل الخيارات والاتجاهات، بحسب حطيط.