من المفارقة، أنه في الوقت الذي يسود التشاؤم في الكثير من الأوساط العربية والإسلامية بسبب الأحوال الذي وصلت إليها الأمة، سيما في ظل تهافت أنظمة عربية على التطبيع والتقارب مع الكيان الصهيوني، فإن الكثير من المفكرين الصهاينة يحذرون من أن هذه التحولات خداعة وأن ما يعتمل في العالمين العربي والإسلامي سيجعل (إسرائيل) تواجه مخاطر لم تواجهها من قبل.
فها هو البروفسور (الإسرائيلي) تسفي سيفر، أستاذ الدراسات الشرقية في العديد من الجامعات الأمريكية و(الإسرائيلية) يتوقع أن تؤسس الأوضاع الإقليمية والعالمية لبزوغ نجم ما أسماه " الإمبراطورية الإسلامية التي ستسيطر على العالم"، على حد تعبيره.
ويرى سيفر أن التحولات التي تتوالى في الإقليم والعالم والتي ترى فيها (إسرائيل) فرصة تمثل في الواقع خطرا هائلا لأن ما يتعرض له المسلمون سيدفعهم كأمة لاستخلاص العبر والانقضاض لتغيير واقعهم في جميع أرجاء المعمورة، الأمر الذي يمهد الظروف أمام بزوغ "الأمبروطورية الإسلامية".
ويدعو سيفر، أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة " إنديانفوليس" صناع القرار في (تل أبيب) لاستغلال قوة (إسرائيل) والمبادرة للتوصل لسلام مع العرب حتى بثمن التنازل عن الدولة والقبول بحكم ذاتي قبل أن تتشكل الإمبراطورية الإسلامية، التي يجزم بأنها ستسيطر على العالم.
ويكتسب سفر احتراما كبيرا في (إسرائيل) والغرب وحاز على شهرة كبيرة، لأنه كان أول من تنبأ عام 1995 بانفجار ثورات الربيع العربي وما تلاها من تفكك بعض نظم الحكم العربية في المنطقة، حيث اعتبر أن ذلك سيمثل الوقود للتحولات التي يحذر منها.
وفي مقابلة أجراها معه أودي سيغل، مقدم البرامج الحوارية في قناة “12” الإسرائيلية، وتطرق لها في مقال نشرته صحيفة "معاريف" يعود سيفر لرسم تطورات السيناريو “التشاؤمي”، الذي يقول إنه أطلع عليه رئيس الوزراء ووزير الحرب الأسبق شمعون بيريس بعيد اغتيال سلفه إسحاق رابين في 1995.
وحسب سيفر، فإن الموجات القادمة من التحولات في العالم العربي ستفضي إلى وقوع دول بأكملها تحت حكم الإسلاميين بسبب فشل نظم الحكم في إدارة شؤون هذه الدول؛ ويشير إلى أن هذه الدول ستلتحم بما أسماه “بقع غير سلطوية” يسيطر عليها الإسلاميون، وهذا ما يمهد لبزوغ "الأمبروطورية الإسلامية".
ويتوقع سيفر أن تتمكن قوى إسلامية أخرى على السيطرة على مناطق أخرى في العالم يتواجد فيه المسلمون بشكل لافت، مشددا على أن الواقع يدلل على أن ما أسماها "بالقوى غير الإسلامية" باتت غير ذات صلة بمستقبل المنطقة والعالم الإسلامي.
وحذر سيفر (إسرائيل) والغرب من خطورة استخلاص عبر خاطئة من تراجع تأثير الحركات الإسلامية بعد موجة الثورات المضادة، مشيرا إلى أن الموجة القادمة من التحولات ستتسم بتوجه القوى الإسلامية للأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي وقعن فيها كل التنظيمات الإسلامية الأخرى وتعمل على معالجتها والاستفادة منها والانطلاق للمرحلة القادمة.
المفارقة أن التوقعات السوداوية هذه ليست محصورة على فقط في الأوساط الأكاديمية الصهيونية، بل أن نخبا مرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب باتت تحذر من ذات السيناريو.
فقد توقع اثنان من كبار الاستراتيجيين في )إسرائيل(، وهما: البروفسور حاييم آسا، الذي يعدّ من آباء الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، والجنرال المتقاعد يديديا يعاري، القائد الأسبق لسلاح البحرية من أن يتعاضض المسلمون بشكل مفاجئ وصاخب "لرفع لواء الإسلام مع كل ما ينطوي عليه الأمر من معنى"، على حد تعبيره.
وفي كتاب بعنوان " القتال بشكل آخر: العقيدة القتالية الجديدة ومبادئ المناورة المشتتة""، صدر حديثا عن دار "يديعوت أحرنوت"، دعا آسا ويعاري )إسرائيل( لموائمة نظريتها القتالية لتكون مستعدة لهذه التحولات.