التقييم النهائي والحكم على المستجدات وإلى أين ستصل الأمور مبكرة، لكن مما لا شك فيه أن إيران تدرك قوة الولايات المتحدة وتفوقها الهائل على جيوش في الشرق الأوسط مجتمعة ، ولم تفكر يوماً ما بمهاجمتها مباشرةً لأن ذلك يُعد مغامرة غير محسوبة النتائج ، لكن عملية اغتيال قاسم سليما.ني ومكانته عموداً فقرياً في مشروع إيران السياسي والعسكري والأمني جعلها أمام اختبار ثقيل وامتحان صعب؛ من ناحية الجمهور الإيراني والمراقبين في المنطقة لا يتفهمون عدم الرد ومن ناحية أخرى الرد المناسب والملائم مضمون النتائج .
مغامرة كبيرة، علاوةً على أن تمرير عملية الاغتيال دون رد يضع إيران أمام مخاطر بالغة الأثر قد تغري الصهاينة والأمريكان لتكرارها .
أصحاب الطاسات والأعصاب الباردة في إدارة المشهد السياسي وتنفيذ الاستراتيجية الإيرانية المتأثرة بطول بال والصبر الإيراني المستمد من حياكة السجاد ببطء تجد نفسها أمام معطيات وتحديات أخرى تماماً .
إيران على سياسة السير بين حبات المطر في الشرق الأوسط حرصت على وتيرة لا تستفز الوجود الأمريكي بشكل يفرض عليه التعامل معها بخشونة على مدار السنوات الماضية، وتمكنت من تحقيق أهداف كبرى ، لا تتعلق بإحكام السيطرة من خلال حلفائها في اليمن وسوريا والعراق فقط، إنما عبر التموضع وفق استراتيجية الاقتراب بإصرار وبشكل مستمر من حدود فلسطين، وتسليح ودعم كل الحركات المقاومة في مواجهتها.
الآن تجد نفسها في مسار تخالط العواطف والتجربة القائمة على الصبر وحفر البئر بإبرة، وشق الطريق من الجبل بالفأس لإطلاق الصواريخ من طهران مباشرةً إلى القواعد الأمريكية .
التجربة الإيرانية في الماضي أكدت صبراً على الأعداء ، شكل ملجأً للتخطيط والاختيار بين البدائل بهدوء، مكن إيران من رسم المشهد بريشة الفنان رغم البكائيات والكربلائيات التحشيدية للجمهور الشيعي كما شاهدنا في تشييع سليما.ني وخطاب مرشد الثورة الإيرانية خامنئي هذا اليوم لم ترفع درجة حرارة طاسات القيادة الإيرانية .
فهل تقهر إيران مشاعرها التي ساهمت بتأجيجها وتلجأ إلى سياستها المعتادة المحكومة بالرؤية والاستراتيجية المحددة ؟
أم أن محطة ثقيلة بوزن اغتيال قاسم سليماني تدخلها في مسار يجبرها على تنفيذ سياسات بأدوات تستعجل النتائج وتحقيق الأهداف ؟
لقد حدد السيد نصرالله وجهة إيران واستراتيجياتها القادمة على المدى البعيد، والتي تتقاطع مع مصالح وأهداف لاعبين عدة ، والتي ستستهدف الوجود الأمريكي في المنطقة بطرق ووسائل شتى .
هذا يُدخل المنطقة في مسار جديد يُؤثر ويغير على مرصوفة الأعداء والأصدقاء، يشكل فرص ومحطات على نقاط تزدحم بالتناقضات يشتد بالقرب منها الاكتظاظ والتزاحم .
سينتج عنه حوادث كما هو الحال على مفارق الطرق ، لكن شتان شتان ما بين ضحايا مفترقات الطرق التي يذهب ضحيتها أفراد، ونقاط التاريخ الفارقة التي يقع ضحيتها أفكار وأحزاب وأقطار .