ملخص:
اندلعت الأحداث مؤخرا بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبين إيران من جهة أخرى وتحوّل الصراع الإعلامي من على الشاشات الرقمية والفضائية إلى مواجهة عسكرية محدودة؛ كان نتاجها مؤخرا اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، والذي يمثل نخبة هذا التشكيل العسكري بتاريخ: ( 3-1- 2020م ).
ويعد سليماني أحد أهم الشخصيات العسكرية الإيرانية، فهو ذراعها في الإقليم، وصاحب المغامرات العسكرية المتقدمة كما يصفونه بإيران.
وقد توالت التصريحات الإيرانية بعد الحادث مباشرة بالتهديد بالانتقام، بدءا من المرشد خامنئي، وحتى القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قآني، وبالفعل قامت إيران بقصف قواعد عسكرية أمريكية في العراق بصواريخ باليستية تقدر بحوالي ( 16 صاروخ) بعد الانتهاء من تشييع قاسم سليماني؛ محدثة فيها دمار كبير دون أن تخلف أي خسائر بشرية في القوات الأمريكية ، وبعدها أعلنت القيادة الإيرانية أنها تكتفي بهذا الرد مع حقها بالاستمرار بطرق أخرى، وكذلك استمرت الولايات المتحدة بأنها لن تخضع للتهديدات الإيرانية، وأنها مستمرة بسياستها تجاه الجمهورية الإسلامية، وهذا التقدير يبرز المشهد العام للأحداث الجارية، ويبين السيناريوهات المتوقعة لما ستؤول إليه الأمور.
مقدمة:
منذ أربعين عاما تقريبا وتشهد العلاقات الأمريكية توترات تشتد أحيانا وتفتر أحيانا أخرى، ولكن هذا التوتر لم يمنع من التعاون بينهما في بعض القضايا الكبرى، كان أبرزها التعاون الإيراني مع أمريكا في احتلال العراق سنة (2003م) حيث ساهمت إيران في تصديع الجبهة الداخلية للنظام العراقي آنذاك بقيادة صدام حسين من خلال الجماعات الشيعية المعارضة العراقية، التي كانت على خلاف شديد مع نظام صدام؛ مما سهل بشكل كبير في النصر العسكري الأمريكي بوقت سريع .
وبالمقابل أيضا ساعدت القوات الأمريكية والجوية تحديدا حكومة العراق والحشد الشعبي الموالي لإيران عام ( ___م ) في صد موجات ثورية مسلحة من جموع الشعب العراقي، وتحديدا في المناطق السنية مثل محافظات الأنبار وصلاح الدين، وتصدّر لها جماعات داعش في الموصل وغيرها من المدن العراقية، حيث كانت ستعصف بالنظام العراقي الجديد وتقضي بالتالي على النفوذ الإيراني بالعراق؛ مما سيؤثر سلبا على تواجدها في الساحتين السورية واللبنانية، ولكن بعد القضاء على هذه الثورة المسلحة والانتهاء من تنظيم داعش رجع التوتر من جديد بين كلا من الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين إيران من جهة أخرى، خاصة بعد فشل التوصل لاتفاق نووي بينهما، ودخول الطرف الخليجي على خط الموجهة متمثلا بالسعودية العدو التاريخي لإيران .
المشهد العام:
ازداد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا لأسباب عديدة أرزها :
أولا – إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي الذي سيغير من قواعد الاشتباك في المنطقة بأسرها خاصة، وأن الإيرانيين ما لبثوا يهددون الكيان الصهيوني الحليف الأبرز لأمريكا، وكذلك سيساعد إيران بشكل كبير لبسط نفوذها وهيمنتها على دول الخليج .
ثانيا – الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران مؤخرا؛ مما فاقم من قدرتها الاقتصادية، وباتت عاجزة عن تسديد فواتير مستحقة عليها في البلاد، التي سيطرت عليها وهي اليمن وسوريا ولبنان، ومن قبل العراق .
ثالثا – الضغط الجماهيري الذي انطلقت شرارته قبل عدة أشهر في كل من لبنان والعراق، وامتد إلى إيران نفسها في عدة مدن إيرانية؛ نتيجة غلاء الأسعار الناتج أصلا عن الضغط الاقتصادي الأمريكي.
رابعا - خروج إيران عن التوافق بينها وبين أمريكا وفي العراق تحديدا، حيث ساهمت تحركات قاسم سليماني في الساحة العراقية لزيادة مستوى التوتر، حيث أرادت إيران أن تقلب السحر على الساحر؛ وتم مهاجمة بعض المصالح الأمريكية بالعراق أدت لمقتل مقاول أمريكي، وبعدها قامت القوات الأمريكية بقصف تجمع للحشد الشعبي الموالي إيران؛ مما أدى لمقتل (30 شخصا) وردت بعدها تلك الفصائل بتوجيه من إيران بمهاجمة السفارة الأمريكية ببغداد.
وبعد كل ذلك ازدادت التوترات بين الطرفين كما ذكر سابقا وبقيت حتى يومنا هذا مما ينتج عن عدة سيناريوهات محتملة كما يلي:
السيناريو الأول : زيادة التوتر الجزئي والمحسوب بين الطرفين، خصوصا وأن الأمريكان بقيادة ترامب قد أخذوا على عاتقهم تقليم أظافر إيران وإخضاعهم لطاولة المفاوضات تحت شروط وإملاءات مسبقة؛ وهذا ما يرفضه بشدة الجانب الإيراني، ولكن من الواضح هذا التوتر لن يأخذ سمة الحرب الشاملة بين سيكون في بؤر محددة جدا، وليس بشكل مباشر غبر وكلائهم في المنطقة، خاصة وأن الطرفين لا يريدان قطع شعرة معاوية بينهما؛ لأن كلا منهما يستفيد من وجود الآخر .
السيناريو الثاني : انتهاء التوتر من خلال تدخل وساطات أوروبية، وذلك عبر تقديم تنازلات جريئة من قبل إيران تؤدي لاتفاق في بعض القضايا الهامة والمركزية مثل: الاتفاق النووي، وبالمقابل ترفع أمريكا العقوبات الاقتصادية عنها وتستقر الأمور في المنطقة لعدة سنوات فقط.
السيناريو الثالث – اندلاع الحرب الشاملة بين الطرفين، وهذا ما لا يرده الطرفان، ولكن وقوع أحداث كبيرة تؤدي لخسائر فادحة بين الطرفين؛ سيوقع حتما حربا كبيرة تعصف بالمنطقة كلها .
السيناريو المرجح:
السيناريو الأول هو المرجّح في المرحلة الحالية على الأقل، مع عدم استبعاد السيناريو الثالث، ولكن السيناريو الثالث ليس له حظ في المرحلة الحالية .