تكشف التحركات الأمريكية الرامية إلى تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الأطول في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، من خلال ما بات يعُرف بـ"صفقة القرن"، قلّة الحيلة وحالة الوهن الذي تمر به قيادة السلطة الفلسطينية بعد أن أسقطت جميع أوراق القوة من يدها.
ولعل حالة التنازل اللا مُتناهي وتحول السلطة من دورها الوطني إلى الوظيفي والأمني وحصره في تقديم الخدمات المدنية للفلسطينيين، والأمنية بحماية الإسرائيليين، جعلها أداة فاقدة للقيمة أمام القوى الدولية التي تحاول فرض حلول أمر واقع لا تحقق أدنى متطلبات الفلسطينيين لحل الصراع.
وفي التفاصيل فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، أنه يخطط للكشف عن خطة "السلام" في الشرق الأوسط "صفقة القرن"، قبل زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن الثلاثاء المقبل.
وقال ترامب للصحفيين: "في مرحلة ما قبل (الاجتماع مع نتنياهو)، ربما سنعلن (عن خطة السلام) قبل ذلك بوقت قصير، معتبرا أن خطته في الشرق الأوسط "عظيمة"، مشيرا إلى أن رد فعل الفلسطينيين على الخطة قد يكون سلبيا في البداية، لكنها إيجابية بالنسبة لهم ولديهم العديد من المزايا للقيام بها.
وأمام ما سبق، فإن السؤول الأكثر أهمية هو ما هي خيارات السلطة الفلسطينية لمواجهة هذه الصفقة والتي تمثل أكبر خطر محدق تمر به القضية الفلسطينية؟
صخب إعلامي
ويُقلل الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، من إمكانية قيام السلطة بأية خطوات عملية لمواجهة المشروع الأمريكي، مرجعا ذلك إلى أنه لم يبق شيئا لديها "لا من مشروع التسوية الذي أثبت فشله أو المشروع الوطني الذي يمر بحالة ضياع وغياب أوراق القوة التي من المفترض أن تواجه بها تلك التحديات بشكل حقيقي وحالة الإفلاس السياسي الذي تمر به قيادة السلطة".
ويضيف الغريب في حديثه لـ"الرسالة" أنه لم يبق للسلطة سوى كيان وظيفي تقوم به، وأمريكا و(إسرائيل) تعرف حقيقة وزنها في الضفة وعلى ماذا قائم، وبالتالي في حال قررت (إسرائيل) بضم أجراء كبيرة من أراضي الضفة أو تطبيق المشروع الأمريكي فإنها تخشى فقط القوة الشعبية والجماهيرية واندلاع انتفاضة جديدة تثور وتسقط مخططاتها.
ويوضح أن الموقف الرسمي الصادر عن السلطة اتجاه ما يجري هو إعلامي بالدرجة الأولى ولا ينم عن مواقف جدية لمواجهة صفقة القرن والمشروع الأمريكي، لافتا أنه كثيرا ما هددت السلطة باتخاذ خطوات عملية للرد على السياسة الأمريكية إلا أنها لم تتجاوز الصدى الإعلامي.
الاكتفاء بالرفض
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي ماجد كيالي أن القيادة الفلسطينية، ومنذ بدء طرح ترامب خطته بخصوص الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أيا كان اسمها، انتهجت أسلوب الرفض، وإبداء التصريحات، وحتى إنها في توجهها نحو المحاكم الدولية، تكشفت عن حالة عجز، وضعف حيلة.
ويبين كيالي في مقال له، أن قيادة السلطة تتحمل المسؤولية عن قلة حيلتها، وعن ضعف خياراتها، لأنها هي التي فرطت بشكل مسبق بأوراق القوة التي كانت تمتلكها، أو يفترض أنها تمتلكها، فهي اعترفت بإسرائيل من دون أن تعترف إسرائيل بالشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، ووقعت على اتفاق تسوية معها من دون أن تتوضح ماهية تلك التسوية ولا مآلاتها.
ويشير إلى أن السلطة لم تشتغل على نحو سليم لجهة تعزيز البعد المؤسساتي والتمثيلي في البني الوطنية الفلسطينية، في المنظمة والسلطة، بحيث بدت كأنها سلطة لطبقة سياسية معينة، ناهيك عن اشتغالها كسلطة تحت سلطة الاحتلال.
ويختم الكاتب كيالي "في المحصلة ليس لدي القيادة الفلسطينية، وبالأحرى فإنها لم تبق لديها شيئا تفعله، في مواجهة خطة الرئيس الأمريكي، سوى البيانات والتصريحات، لأنها لم تفعل شيئا يذكر لرسم خيارات بديلة أو لإنشاء بني قادرة على حمل خيارات بديلة، منذ انتهاء الانتفاضة الثانية (منذ 15 عاما) حتى الآن".
وبالعودة إلى المحلل السياسي الغريب فإنه يرى أن هناك عدة قضايا يمكن أن تكون رد عملي وواضح على كل هذه المخططات، تتثمل أولها بالإعلان عن حل السلطة وإعلان كل المناطق محتلة وإلقاء عبئ الحكم على الاحتلال.
وثانيها سحب الاعتراف بالاحتلال ووقف كل أشكال التعاون الأمني وهو ما سيسبب أزمة كبيرة له، وأخيرا عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير وخلق حالة اجماع وطني لاتخاذ قرارات موحدة لمواجهة كافة التحديات، وفق الغريب.