برغم تكرار محمود عباس رئيس سلطة حركة فتح مواقفه من العلاقة مع الاحتلال (الإسرائيلي)، في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطته لتصفية القضية الفلسطينية، إلا أن ثمة من يرى وجود تغير ما في اتجاهات عباس خلال المرحلة المقبلة.
وجاء على لسان عباس قوله "سنبدأ فورا باتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب تغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، تنفيذا لقرارات المجلسين المركزي والوطني"، مضيفا: "نحن لا نسمع أوامر ترامب، ولا نقبلها ومتمسكون بالثوابت الوطنية"،
وأضاف: سنبدأ مرحلة جديدة من الحوار الفلسطيني والعمل المشترك، مؤكدا أن استراتيجية السلطة ترتكز على استمرار كفاحنا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد استقلال الدولة وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال الرئيس: أعلنا عن انتخابات تشريعية ورئاسية، وما زلنا متمسكين بها، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وأن المواطن المقدسي يجب أن ينتخب في قلب القدس وليس خارجها".
يشار إلى أنه قد حُددت للسلطة ثلاث وظائف يجب أن تقوم بها وعلى أساسها يتم دعمها مادياً وسياسياً من الجهات الداعمة، وبدون أدائها فإن الدعم سيتوقف وبالتالي ستنهار السلطة أو ستضعف إلى درجة عدم تمكنها من القيام بدورها.
والوظائف الثلاث هي مدنية وأمنية وسياسية، وجميعها تخدم الاحتلال الإسرائيلي، فالوظيفة المدنية تتمثل في الدور الذي كانت تقوم به الإدارة المدنية للاحتلال الإسرائيلي، والوظيفة الأمنية تشمل جانبين: الأول كشرطي للاحتلال في المناطق الفلسطينية والثاني من خلال قيامها بعملية التنسيق الأمني.
والوظيفة السياسية هي الأخطر في مشروع أوسلو وظهرت في الوصول إلى معاهدة سياسية دائمة مع الاحتلال تنهي الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال لصالحه ومن ثم إنهاء الصراع مع العرب والمسلمين بعد تصفية القضية الفلسطينية.
ويأمل الفلسطينيون من قيادة السلطة أن تتجه لاتخاذ قرارات ثورية تتمثل في الانفكاك بشكل كامل عن الاحتلال الإسرائيلي أمنيا واقتصاديا، وانهاء الدور الوظيفي للسلطة والمتمثل في التنسيق الأمني واللهث وراء المفاوضات كحل للقضية، وكذلك الاتجاه لرص الصفوف الداخلية وانهاء حالة الانقسام بقرار من عباس، بالإضافة إلى حل السلطة إن لزم الأمر وإعلان العصيان المدني.
وفي المقابل، فإن خطاب عباس الذي بدا كأنه مكرر لخطابات أخرى صدرت عنه في أعقاب أحداث تاريخية كإعلان ترمب القدس عاصمة للاحتلال (الإسرائيلي) وغيرها من القرارات الأمريكية والإسرائيلية على مدار السنوات الماضية، إلا أن الخطوات العملية على أرض الواقع ستكون الفيصل في الحكم على مدى مصداقية خطابه.
وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب إنه لا يتوقع من السلطة أن تتجه لإجراءات عملية حقيقية على أرض الواقع تغير من وجه العلاقة القائمة بينها وبين الاحتلال (الإسرائيلي) لما أثبتته المواقف السابقة للسلطة على مدار العقد الأخير.
وأضاف الغريب في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أنه لا يكفي من السلطة أن تعلن رفضها للصفقة والوقوف في وجهها، فمكانها كممثل للفلسطينيين يدعوها للتحرك الفعلي والجاد لمجابهة الصفقة بكل الأدوات الشعبية والسياسية والاقتصادية والأمنية، ويجدر الإشارة إلى أن السلطة تمتلك أوراق قوة يمكن أن تستخدمها في مواجهة الاحتلال.
ويشير الغريب إلى أن القضية الفلسطينية تقف الآن أمام لحظة تاريخية فارقة تستوجب الوقوف صفا واحدا، ولا يمكن رص صفوف الجبهة الداخلية الفلسطينية بدون وجود قرار حقيقي لدى عباس بإنهاء الانقسام، وهذا أول ما ينتظره الشعب الفلسطيني من السلطة، من ثم اتخاذ قرارات جادة في قطع العلاقات مع الاحتلال خصوصا الأمنية منها، إلا ان المؤشرات على الأرض لا تشي بذلك.
وفي إشارة إلى عدم جدية السلطة في توجهاتها للرد على إعلان الصفقة، كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية نقلا من مصادر أمنية في رام الله أنه وصل تعميم "شديد اللهجة" من عباس بمنع إطلاق أي رصاصة باتجاه العدو، مع مراقبة المسيرات "بكل قوة" والحرص على منع الاشتباك المباشر، بل أن تحاول الأجهزة الأمنية بلباس مدني منع إحراق صور ترامب أو رفع أي شعارات مسيئة إليه، وفي ما يتعلق بالتنسيق الأمني، تؤكد المصادر أنه مستمر على أعلى مستوى.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني إن توقعات الرئيس الأمريكي حول رد الفعل الفلسطيني بأنها ستكون سلبية في البداية، يستشف منه أن الإدارة الأمريكية غير معنية بالموقف الفلسطيني وتعلم جيداً أن سقف الفلسطينيين لا يتجاوز عدة مسارات.
وأضاف الدجني في مقال له تعقيبا على اعلان الخطة وخطاب عباس، إن ثلاثة مسارات تحدد رد الفعل الفلسطينية، وهي اجتماع المجلس المركزي أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإطلاق خطاب ناري يحمل مجموعة من التوصيات، ويشكل الرئيس محمود عباس لجنة برئاسة صائب عريقات، تجتمع مرة أو مرتين ثم تغيب.
وبيّن أن المسار الثاني يتمثل في بيان شجب واستنكار ورفض، مع بعض الجولات الدبلوماسية والقمم العربية، وهاشتاق قد يصل للتريند العالمي يرفض صفقة القرن.
وبيّن أن المسار الثالث يتمثل في دعوة لمسيرات شعبية ومظاهرات في الأراضي الفلسطينية وربما بالشتات تستمر ليوم أو يومين، وستنتظر غزة تحرك الضفة الغربية، في حين تعول الضفة على أن تتحرك غزة، وبين هذا وذاك ستعمل جماعات المصالح بعدم انزلاق هذه المظاهرات لمستوى انتفاضة عارمة تهدد مصالح القطط السمان.