نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لنائب محرر صفحة الرأي وكاتب العمود فيها، جاكسون ديهل، يقول فيه إن رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو ادعى الأسبوع الماضي أن الرئيس دونالد ترامب هو "أعظم صديق لـ(إسرائيل) يدخل البيت الأبيض على الإطلاق"، متسائلا: "هل يمكن أن يكون هذا صحيحا؟".
ويقول ديهل في مقاله، إن "موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي مفهوم، فخلال أقل من عام قام ترامب بعكس نصف قرن من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، فاعترف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وصادق على ضم (إسرائيل) للجولان، ووافق الأسبوع الماضي على ضم وادي الأردن والمستوطنات التي أنشأتها منذ 1967 في الضفة الغربية كلها".
ويشير الكاتب إلى أن "آخر هدية قدمها ترامب جاءت على شكل (خطة سلام)، وكانت مثيرة للدهشة، فعلى مدى عقود كافحت الإدارات الجمهورية والديمقراطية لمنع بناء وتوسيع المستوطنات -وتم تصنيف عدد منها بأنها غير شرعية- للحفاظ على احتمال قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة".
ويلفت ديهل إلى أنه "من ناحية نظرية، فإن خطة ترامب تسمح بقيام مثل هذه الدولة، لكنها ستفتقر إلى الكثير من معايير السيادة، بما في ذلك السيطرة على الأراضي، بالإضافة إلى الشروط الكثيرة المتعلقة بإقامتها -بما فيها موافقة إسرائيل- ما يجعل قيامها أمرا لا يمكن تصوره في أي وقت في المستقبل المنظور، وفي الوقت ذاته يمكن لخمس عشرة مستوطنة داخل الأراضي الفلسطينية أن تصبح جزءا من إسرائيل، بموافقة أمريكية".
ويستدرك الكاتب قائلا إن "ترامب قدم الكثير من الهدايا لنتنياهو لدرجة أن معارضيه الإسرائيليين اضطروا للترحيب بها، وهذا هو بيت القصيد: فرئيس الوزراء المخضرم يعتمد على تدخل ترامب للحصول على دورة رئاسية جديدة في انتخابات آذار/ مارس، بالرغم من توجيه التهم له الأسبوع الماضي بالفساد".
ولهذا يقترح ديهل قائلا: "دعونا نقر بأن ترامب هو أعظم صديق لـ(بيبي) على الإطلاق، لكنه هل هو حقا صديقا لإسرائيل؟ هذا سؤال يصعب الجواب عنه".
ويرى الكاتب إن "أهم خدمة يمكن للرئيس الأمريكي أن يقدمها لإسرائيل هي العمل على ضمان بقائها على المدى الطويل، ودون شك أن هذا ما فعله هاري ترومان عندما اعترف بها دولة جديدة عام 1948، بالرغم من معارضة وزير خارجيته، وحاول الرؤساء المتأخرون أن يفعلوا ذلك من خلال التوسط للوصول إلى تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي دونها لا يمكن لإسرائيل أن تحظى بالقبول الدولي، أو أن تبقى يهودية وديمقراطية".
ويقول ديهل: "لو أدت أفعال ترامب فعلا إلى سلام إسرائيلي فلسطيني، فإنه يستحق أن يطلق عليه (أعظم صديق)، لكن ما هو أكثر احتمالا هو أنه جعل التوصل إلى تسوية أمرا أكثر صعوبة، فالسلام يتطلب موافقة الطرفين، لكن لا يتوقع أن توافق القيادة الفلسطينية ولا 4.7 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية على شروط ترامب، التي هي أسوأ مما عرضه أيهود أولمرت، سلف نتنياهو، فبدلا من 96% من الضفة الغربية، فإن ترامب يعرض أقل من 70% وحتى تلك المساحة المعروضة تتخللها جيوب إسرائيلية".
ويجد الكاتب أن "ترامب يتخيل أن الديكتاتوريين العرب الذين رعاهم سيقومون بلي ذراع الفلسطينيين لقبول الصفقة، ولن يفعلوا ذلك، وبدلا من ذلك فإنهم يأملون ألا تحقق هذه الخطة أي تقدم، وقد يكونون محقين في ذلك، لكن ذلك لن يوقف عمليات الضم للأراضي التي وافق عليها ترامب، وهو ما سيشحذ الحملة الدولية القوية أصلا للمقاطعة، بالإضافة إلى سحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل، وربما يهدد أيضا سلامها الهش مع الأردن".
ويبين ديهل أن "ترامب يمزق التزاما كبيرا آخر للرؤساء الأمريكيين تجاه إسرائيل، وهو ضمان بقاء الدعم لإسرائيل كبيرا ومن الحزبين، فاحتضانه المتحمس لنتنياهو وأجندته القائمة على ضم المزيد من الأراضي قادا إلى تنفير أكثر الديمقراطيين تأييدا لإسرائيل، وأصدر ثلاثة منهم، هم السيناتور تشارلز تشومر والسيناتور روبرت مننديز والنائب إليوت انجيل، بيانا الأسبوع الماضي، حذروا فيه من (الأفعال أحادية الجانب) التي تهدد فرص التوصل إلى سلام، وقصدوا بذلك سلب الأراضي الذي شجعه ترامب".
ويشير الكاتب إلى أن "أربعة من كبار الديمقراطيين، وهم جو بايدين وبيرني ساندرز وإليزابيت وارين وبيت بوتغيغ، شجبوا في مؤتمر أيوا الحزبي خطة ترامب، وهم يمثلون الجزء المتنامي من الحزب الديمقراطي الذي سئم فعلا من نتنياهو، وأظهر استطلاع قام به مركز (بيو) للأبحاث العام الماضي بأن ثلثي الديمقراطيين ينظرون بشكل سلبي إلى حكومته، في الوقت الذي أعرب فيه الربع فقط عن تأييدهم لها، وضم الأراضي سيزيد بالتأكيد من هذه الفجوة".
ويقول ديهل إن "ما فعله ترامب هو أنه ضمن أن أي رئيس ديمقراطي سيخلفه سيصطدم بإسرائيل إن كان نتنياهو أو أحد حلفائه لا يزال في الحكم، ولا شك أن هذا مقصود: يهدف من الخدمات المقدمة لإسرائيل أن تساعد في إعادة انتخابه عن طريق حشد المسيحيين الإنجيليين وإحداث حالة استقطاب بين الديمقراطيين، وليس مهما إن كان ذلك سيضعف بدلا من أن يقوي الدعم الأمريكي لإسرائيل على المدى الطويل".
ويختم الكاتب مقاله قائلا: "قد تعاد كلمات نتنياهو في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض عدة مرات وأثناء حملات ترامب الإعلانية، لكنها ستبدو بالنسبة لبعض الأمريكيين، وربما الكثير منهم، ممكنة، وربما احتجنا لسنوات طويلة قبل أن تظهر الحقيقة، وهي أن ترامب تسبب بضرر أكبر لإسرائيل من أي رئيس سبقه".