وسام عفيفه
"الغولة" و "أبو رجل مسلوخة" وغيرها من أسماء الإرهاب والتخويف كانت ابرز عناوين الإشاعات التي رافقت اللجوء الفلسطيني في المخيمات والحواري ..
يروي احد من عاشوا ريعان شبابهم فترة الستينات - السبعينات , كيف أن إشاعة "الغولة" كانت تفرض حظر التجول في المخيم مع حلول الظلام ..الرعب كان يطارد كل من يتحرك في الأزقة خشية ان تفتك به "الغولة" .
يومها قرر الشاب ورفيقه المشاغبين مواجهة الغولة والتصدي لها, خرجوا قبل حلول الظلام, وكمنوا قرب دورات المياه العامة التي كانت المتنفس الوحيد "للاجئين المحشورين" , ومع انتصاف الليل, ظهر جسم يتحرك تحت جنح الظلام قرب دورات المياه .. أخيرا ظهرت الغولة, تأهب الشابان , وحمل احدهم حجرا كبيرا وتسلل نحو باب "دورة المياه" , و"بقدر ما أعطاه الله من قوة" قذف الحجر داخل "الدورة" .. فخرج الصوت صارخا متأوها..."آآآآآي كتلتني يا ابن الكلب" .
ركض الشابان كالريح.. ليس هربا من الغولة .. بل لأنهما اكتشفا ان الهدف الذي أصابه الحجر لم يكن سوى "الختيار" -عم احد الشابين - وهكذا دفع الرجل العجوز ثمن الإشاعة بإصابة مباشرة وقوية من حجر وسط ظهره وهو يقضى حاجته .
كان المسكين يخرج في الليل "ليأخذ راحته" و يتجنب الزحام والوقوف بالطابور , لكن النتيجة كانت أصعب من "زنقة" في الطابور وأصبح ضحية الغولة.
أما الشابين فبدل أن يصبحا كبطلين وقفا في وجه الغولة , تحولا إلى أحمقين وقعا ضحية للإشاعة.
إشاعة الغولة تتكرر حتى يومنا هذا , ويدفع ثمنها أبرياء .. غول العملاء , غول الغلاء , غول الحرب , غول الضرائب , غول الأمراض الفتاكة.. وفي النهاية نكتشف الحقيقة .. وهي أن الغولة المرعبة هي الإشاعة نفسها .. تنشر الرعب وتهدد الاستقرار و تزرع الفتن .
تتحرك هذه الغولة وقت الأزمات والحروب .. رافقتنا بقوة منذ الحصار والانقسام , تطاردنا يوميا في السيارات والشوارع والدواوين .. بعضهم يجيد تحريك هذه الغولة .. ينشرها بطريقة من المبالغة والكذب لدرجة أنهم "يحبلوا البنت البكر" .
هذه الغولة تجلس أحيانا مكان سائق تاكسي أجرة ,أو تتحرك مع مقص الحلاق,تتخفى في زي امرأة , وتشارك النساء مجالس الأفراح والأتراح, تتجول في الأسواق, تبيع الاتهامات والمصائب والاكاذيب.
تجلس على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات , حتى أنها تنام معنا في نفس الفراش وهي تتلبس الزوجة.
وهكذا نصبح - دون أن ندري أبناء الغولة – نفتك ببعضنا , ونقذف أنفسنا بالحجارة في وضح النهار, بحجة أننا نتصدى للغولة , وكثر يكتشفون لاحقا أنهم كانوا أغبياء وحمقى , مثل الشابين اللذين حرموا "الختيار" من قضاء حاجته.