يعكس تناقض قيادات السلطة الفلسطينية في المواقف التي يُطلقونها ضد صفقة القرن وإعلان رفضها المتكرر إعلاميا، وعدم تنفيذ أي خطوات عملية على الأرض تدلل على حالة الرفض، جزءا من الرضى والمُحاباة للإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي.
ويمكن قراءة التناقض في المواقف من خلال العديد من الإجراءات والقرارات التي اتخذتها السلطة لمواجهة الصفقة، وسرعان ما تراجعت عنها كقرار وقف استيراد العجول والتبادل التجاري والانفكاك الاقتصادي مع الاحتلال وقطع العلاقة الأمنية وسحب الاعتراف به ووقف التنسيق الأمني، وتحولت إلى شعارات للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر.
وأظهرت صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وزير الشؤون المدنية صاحب التهديدات النارية الداعية لوقف التعاون الاقتصادي مع (إسرائيل) حسين الشيخ، وهو يتجول داخل السوق الحرة في مطار بن غوريون في تل أبيب.
ويتهكم الكاتب الإسرائيلي في صحيفة يديعوت احرونوت العبرية اليور ليفي من يديعوت، على حسابه الخاص على "تويتر"، حول ذلك قائلا: "صحيح أن هناك معركة اقتصادية بين وزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينت، ومنسق شؤون المناطق كميل أبو ركن مع قيادة السلطة الفلسطينية، ولكن 95% من ذلك ما هو إلا استعراض".
وتابع: "النتيجة هي أن الوزير الفلسطيني حسين الشيخ المسؤول عن الاتصال والمقاطعة مع إسرائيل يتجول في السوق الحرة في مطار بن غوريون في طريقه إلى الخارج"، وختم تغريدته بالقول: "رحلة سعيدة".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى التواصل مع الإدارة الأمريكية في الخفاء والثناء على بعض ما تطرحه صفقة القرن ومحاولة تحسين بعض النقاط فيها.
وكشف السفير الأميركي لدى الكيان الإسرائيلي ديفيد فريدمان الجمعة الماضية عن وجود قنوات اتصال خلفية مع قيادات في السلطة الفلسطينية ومع الحكومة الفلسطينية بشأن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المسماة "صفقة القرن" التي رفضتها الأطراف الفلسطينية حكومة وفصائل.
وقال فريدمان إن تلك "قنوات اتصال خلفية مع قياديين فلسطينيين وحتى مع الحكومة الفلسطينية".
وأضاف "لا أريد أن أعترض طريق ذلك، لكن اعتقد أن هناك اعترافا بأن بعض جوانب الخطة جيد للفلسطينيين، لنكن واضحين، مثل حل الدولتين، وهناك عاصمة في القدس الشرقية، قد لا تكون في عمق القدس بالدرجة التي يفضلها الفلسطينيون لكن هناك عاصمة في القدس الشرقية"، على حد قوله.
ودعا فريدمان الفلسطينيين -في مقابلة مع الجزيرة ضمن برنامج "من واشنطن"- للجلوس إلى طاولة المفاوضات، محذرا من أن فرصهم للحصول على دولة تتضاءل مع مرور الزمن.
******** تأكيد المؤكد
ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن حديث فريدمان يأتي لتأكيد المؤكد لا سيما وأن السلطة لم تتخذ أي إجراءات على أرض الواقع تدلل على أنها ضد الصفقة، كوقف العلاقات والتعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن رئيس السلطة نفسه أعلن عن وجود علاقات بينهم وبين CIA وعلاقات تتعدى البعد الأمني مع الإدارة الأمريكية، مبينا أن السلطة ليست ضد الصفقة ولكنها تريد تحسين بعض القضايا فيها.
وأضاف "الكلام إعلاميا سهل ولكن نحن بحاجة لخطوات على أرض الواقع، وحديث السلطة يؤكد للمرة العاشرة أنها ترفض لفظيا ولكن عمليا تطبق الصفقة، وخير دليل على ذلك تجول الوزير حسين الشيخ في السوق الحرة بتل أبيب".
******** مؤشرات قلق
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني أن تصريح فريدمان يجب أن يُوضع في دائرة التحليل والتأمل والتفحص لأن هناك بعض المؤشرات التي من حق الشعب الفلسطيني ان يضعها في دائرة الاستفهام والتساؤل عن سلوك القيادة الفلسطينية في مواجهة الصفقة وهل يرتقي لمواجهتها؟
ويؤكد الدجني لـ"الرسالة" أن السوك الدبلوماسي والإعلامي الرافض للصفقة لا يعني اننا في طور مواجهتها وافشالها وتحطيم مستواها وخلط الأوراق أمام الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك قد يكون التصريح حقيقة مرتبطة بالمؤشرات.
ويوضح أنه ربما القنوات الخلفية من بعض الأطراف التي تطمح لخلافة أبو مازن هي من تقف وراء ذلك أو يكون الرئيس نفسه موافقا، لكن حتى اللحظة لا نستطيع الجزم في الأمر وفي النهاية هناك مؤشرات مقلقة.
ويلفت الدجني إلى أن جميع المؤشرات في الضفة والداخل والقدس لا تدلل على أن ما يجري يكفي لمواجهة الصفقة، لاسيما أن العلاقة مع الاحتلال متواصلة والانقسام الداخلي على حاله ولا توجد انتفاضة حقيقية على الأرض ضد الصفقة.