بقلم/ خلود نصار
كان الجو بارداً، المطر يهطل بغزارة بين الحين والأخر، لا صوت يعلو علي هدير الطائرات التي يهدد صوتها عندما تمطر السماء اجتياح جوى وبرى، المدرعات الإسرائيلية تقصف بين الحين والآخر، الجو ملتهباً رغم برودته،،،
تلحف خالد فراشه يقطع دقائق غفوته بصلاة ودعاء. لا يرفع عينيه عن هاتفه المحمول، فإنه بانتظار مكالمة مهمة
رن الهاتف .. انتفض خالد مسرعاً
السلام عليكم ،،،
رد المتصل.. وعليكم السلام، خالد الآن بدأت مهمتك انطلق لتنفيذ الخطة المتفق عليها، قلوبنا معك، انتبه علي نفسك وكن حذراً.
انطلقَ خالد توضأ وصلى ركعتين قضاء حاجة داعياً الله أن يوفقه في مهمته..
أم أحمد والدة خالد ترى ابنها مستعد،،،
تقول: خالد ماذا تفعل يا ولدي، لماذا تلبس ملابسك وخوذتك
خالد: لقد اتصلوا بي الآن، يجب أن أخرج لأنفذ مهمتي
أم أحمد: مهمة! أي مهمة في هذا الوقت العصيب، لا أحد في الشارع، والمدافع لا تتوقف، و الطائرات تبحث عن فريسة .. لم تبرد ناري بعد، لم يمض 6 شهور علي استشهاد أحمد أخوك.
خالد: ساعديني أمي، يجب أن أخرج، أعينيني في لبس خوذتي
أم أحمد: ليس بيدي حيلة، هذا الطريق الذي اخترته، رب أجب دعوتي
خالد: أي دعوة يا أمي، أرجو أن لا تكوني دعوتِ بأن أرجع وأن لا أنفذ العملية.
أم أحمد: لا يا ولدي،، هي دعوة لك بيني وبين ربيّ.
يربط الله علي قلبها، تعينه في لبس بزته العسكرية، تُرقيه بآيات القرآن، تساعده في تجهيز حقيبته ومعداته..
تذهب للباب الخلفي للمنزل، تتفقد المكان، تتلفت يمنة ويسرة، تحدق بكل شئ حولها، بالحجر والسماء تطمئن علي المكان وخلوه من أي عين جاسوس.
تمسح دموعها تقبل ولدها، تخرجه من الباب وتظل تراقبه وهو يسير مسيرة المنتصر بلباسه العسكري، تظل تحدق فيه حتى يختفي أثره.
تدخل منزلها، تدعو: اللهم أجب الدعوة، اللهم أجب الدعوة
تنتقل بين النوافذ البيت، تركع تسجد تدعو، لا تستطيع الجلوس، فخرج ولدها من المنزل، أخذ روحها وقطع أنفاسها، فلا تريد أن تفجع بخبر استشهاده...
يا رب أجب الدعوة، يا رب أجب الدعوة!
ينطلق خالد بخفه يختبئ بين البيوت ينتقل من أزقة المنازل من زقاق إلي أخر
اقترب من الهدف، يجب عليه أن ينصب عبوته الناسفة في هذا المكان فموعد قدوم ناقلة الجندي قد اقترب.
يبدأ الزحف علي بطنه، يسحب حقيبته السوداء الثقيلة، يكتم أنفاسه، جبينه بتصبب عرقاً رغم برودة الجو دقات القلب تعلو: يدعو يا رب ثبتني: يتنفس الصعداء ثم يخرج العبوة من حقيبته يبدأ الحفر مسرعاً لكن.. صوت يقترب منه يتغير ملامحه يلتفت يمنة ويسرة، يتنهد ولا يمنع نفسه " ياه إنها قطة".
يعود لجديته ويكمل الحفر يضع العبوة ثم يبدأ بتمديد الأسلاك، السلك الأحمر مكانه وكذلك الأخضر.. يغطي العبوة بالتراب ثم يحمل جهاز التحكم بيديه ويرجع أدراجه إلي مكان أكثر أمناً.
ينتظر وينتظر، يصبر نفسه بالتسبيح والاستغفار والدعاء،ملامح الرجاء ترسم علي وجه يصرخ من داخله " هيا اقتربي يا ناقلة الجند" .
ساعة مرة عليه وكأنه أعوام..
اقتربت ناقلة الجندي وأخيراً بعد طول انتظار " الله أكبر" يضغط خالد علي الزر الأخضر تتفجر العبوة وتتفتت الناقلة.. أشلاء تتطاير يسجد خالد سجدة شكر لله يعود خالد مسرعاً الدنيا لا تكاد تسعه.
يدق الباب:
أم أحمد: من بالباب؟
خالد: أنا يا أمي رجعت سالماً منتصراً يقبل رأسها ويديها ، تحتضنه وتقبل جبينه الطاهر، يجلسان سوياً والمذياع ما زال يعمل..
إنه تدر الخبر العاجل ..صوت المذياع متهللاً مرتبكاً " فلتهنأ يا شعب غزة .. انفجرت ناقلة جند إسرائيلية منذ دقائق وأنباء عن مقتل كل من فيها ونجاة المجاهدين المنفذين ورجوعهم إلي مواقعهم سالمين".
سمعت أم أحمد الخبر.. رفعت يديها إلي السماء: " يارب لك الحمد أجيبت الدعوة".