لم تقتصر أزمة الكورونا على خسائر بشرية ومادية فادحة بلغت أكثر من 16 الف حالة وفاة ، واصابة أكثر من 370 الف انسان آخر ، وما زالت في تصاعد مع توقعات للبنك الدولي ان تتسبب في ركود عالمي أخطر من الذي أعقب أزمة 2008 ، بل فضحت ( الغرب ) وأظهرته في أحد أسوأ مظاهره حكومات ومنظومات فكرية وتنظيمية، وقد تكون قد أظهرت ايضا عيوبا أساسيةلدى بني البش ، فهل سنتعلم ونأخذ الدروس والعبر لنخفف بذلك من حجم الفاجعة التي تتعرض لها البشرية؟ أشك في ذلك...
لم يكن الفشل القاتل للمنظومات الصحية في العديد من الدول الاوروبية في مواجهة واستيعاب الوباء معزولا عن الفكر الرأسمالي المتوحش ، والذي يوجه معظم حكومات الغرب ويقدّس السياسات الاقتصادية الربحية الفاحشة على حساب السياسات الاقتصادية الانسانية تحت مبرر ان مواجهة الأوبئة والأمراض تتطلب ميزانيات كبيرة لبناء منظومات قد لا تستخدم الا مرة واحدة في كل عدة عقود، وهو في نفس الوقت يشجع على السيطرة والتحكم وضخ ترليونات من الدولارات لصناعة وانتاج أسلحة الدمار الشامل من أجل ضمان ذلك.
أثرت بوضوح منظومة القيم الغربية المبنية على الحريات الشخصية شبه المطلقة لدرجة الانفلات على عدم تلتزام الاوروبيين بالتعليمات والإجراءات الصارمة المطلوبة لمواجهة كورونا مما أدى للمزيد من الضحايا ، فالاوروبي لم يعتد على الالتزام والانضباط ، وفي المقابل لا يمكن اعتبار الصرامة الصينية ( المجرمة) بشكل عام بحق الانسان والمسلم بشكل خاص فضلا يهيىء الصين لقيادة البشرية ف(نجاح) هذه الصرامة في مواجهة أزمة معينة كالكورونا ، والتوسط هو الحل بشكل عام ، ولكل أزمة ظروفها وشروطها .
لم توحد الكورونا -على فداحتها- العالم ، وقد لا توقف الصراعات المحتدمة كما طالبت بذلك الأمم المتحدة ، فهل سيوقف المحتل الصهيوني ممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني ؟ لا.
وهل ستتراجع حدة الصراعات في أماكن مختلفة من العالم العربي؟ وهل ستوقف حكومات الغرب دعمها للاستبداد والقمع والصراع في المنطقة العربية؟ بالطبع لا، بل قد تستخدم تغذية هذه الصراعات لحصد المزيد من الأرباح لتغطية خسائرها من الكورونا.
فشلت الكورونا حتى الآن في توحيد الجبهات الداخلية في العديد من الأماكن، ففي فلسطين يستمر الانقسام الداخلي غير عابىء بالكورونا، والجديد اللافت ان حدة الاستقطاب للانقسام السياسي قد تصاعدت في ( اسرائيل ) بين أحزاب الوسط يسار الذين تظاهروا في الشوارع وتحالف نتنياهو الذي أغلق الكنيست ويسعى لشلّ مؤسسات الدولة بحجة الكورونا، بينما فشل الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة ولأسباب ضيقة في التوصل لتفاهمات حول الميزانيات لمواجهة خطر الكورونا الداهم والذي اجتاح العاصمة واشنطن ونيويورك ويتوسع ، فمن لم توحده المصائب ، فلا موحد له.
هل من الطبيعي ان يفكر الانسان بنفسه فقط ( أنانية ) عند المصائب الطامّة والعامة ؟ ( يوم يفر المرء من أخيه ) وكيف ظهر التضامن الانساني واختفى أحيانا كما حصل بين الاتحاد الاوروبي وايطاليا ؟
قد تكمن الاجابة في أمرين : الاول – كلما عظمت المصيبة كلما تمحور الانسان على نفسه ( اللهم نفسي ) ، وكلما كانت المصيبة محدودة ازدادت امكانيات التضامن . والثاني هول المفاجأة .
لم يكتف بعض أنواع البشر من السياسيين ( بعدم التعلم من المصائب ) بل استخدموها لأغراض شخصية وحزبية ضيقة لا تمت للمصلحة العامة الحقيقية بصلة ، فتم تسييس الامراض والأوبئة ونتنياهو مثال ، كما ان الضجة الإعلامية التي أقامتها دول ساعدت ايطاليا المنكوبة في ظل ما اعتبرته وبحق تخلي شركائها الاوروبيين عنها ، في مزايدة مكشوفة سياسية أخرى ، وعلى أمل بنيل موقف ايطالي مستقبلي على شكل فيتو ضد العقوبات عليها ، وهذه الضجة مثال آخر على التسييس .
هكذا فضحت الكورونا وكشفت مواقف وسياسات وعقائد مختلة ، كما أظهرت مدى الخسائر التي تدفعها البشرية ثمنا ( للفصام النكد ) بين الأخلاق والدين القويم و(السياسة والحكم ) ، ليست المشكلة في طبيعة البشر ، بل في سكوتهم على قهرهم بواسطة حكومات وأنظمة جشعة وعديمة الأخلاق .
الكورونا الفاضحة
بقلم: ناصر ناصر