بعد الإعلان عن فايروس كوفيد 19 "كورونا" العالمي، غادر موظفون عملهم والتزموا الحجر المنزلي، لكن هناك مهن تفرض على العاملين فيها المواصلة كمهنة المتاعب "الصحافة" التي يضطر أصحابها أن يكونوا في الصفوف الأولى لنقل الأحداث الصعبة سواء في الحروب أو الكوارث الطبيعية.
الصحفيون في فلسطين دوما وضعهم مختلف، فهم على أهبة الاستعداد لتغطية كل الأحداث رغم خطورتها، لكن الفايروس ألزم غالبيتهم العمل من البيت وأحيانا الميدان، "الرسالة" أنصتت لبعض التجارب من غزة والضفة المحتلة على حد سواء.
جاء صوت الصحافي قيس عمر من قريته "سنيريا" قضاء قلقيلية عبر الهاتف ليحكي تجربة العمل من البيت طيلة الشهر، يخبر "الرسالة" أنه منذ اعلان رئيس الوزارة محمد اشتيه التزام الحجر المنزلي وهو يعمل من بيته ولم يغادره سوى مرتين إلى مكتبه لحاجة ضرورية.
يقول: "كنت أعتقد أن العمل في البيت راحة، لكن الوضع مختلف تماما حتى أجبرت أن اتخذ من مخزن في البيت مكتبا لإعداد التقارير المستمرة وارسالها إلى الموقع الذي أراسله في الخارج"، متابعا: أحيانا أضطر لإدراجفيديوهات لبعض التقارير ينفذها زميلي ويرسلها لي بدلا من نزولي إلى الميدان.
وأضاف: "العمل في البيت مرهق حيث ألتزم في مكتبي المنزلي من الساعة الثامنة والنصف وحتى الرابعة، لكن الإنجاز في المكتب أفضل من البيت الذي يغيب فيه التركيز".
وعن المرات التي اضطر للنزول فيها من البيت إلى المكتب، يقول "قيس" إنه اتخذ الإجراءات الوقائية كافة فعند دخوله المكتب قام بالتعقيم ولم يحتك بزملائه الا من بعيد، وعند عودته للبيت لم يقترب من صغاره الا بعد غسل يديه جيدا، عدا عن أنه لم ير والديه سوى مرة واحدة دون السلام عليهما خشية على صحتهما.
ويؤكد أن الاحتكاك مع أي شخص مصاب في الضفة المحتلة من شأنه إصابة العشرات، لاسيما في قريته التي يعمل معظم رجالها داخل أراضي الـ 48، مشيرا إلى أنهم سيعودون خلال أسبوعين وأي احتكاك من شأنه أن يحدث ضررا كبيرا.
وإلى غزة حيث الصحافية مرح الوادية الأم لطفل يبلغ ثلاثة شهور، اضطرها للعمل من البيت فهي لا تستطيع المغامرة والخروج للعمل الميداني وترك رضيعها.
تصف الوادية "للرسالة" تجربتها في العمل مع الحجر المنزلي بالصعبة، لاسيما وأن رعاية صغيرها تأخذ وقتا منها فهي تحمله بيد، وباليد الأخرى تكمل كتابة مواضيعها.
تقول" قبل الحجر المنزلي والحديث عن إصابات بفايروس كورونا في قطاع غزة كنت اضع صغيري عند جدته لكن الان الوضع بات مختلفا حيث لا استقبل أحدا في بيتي، واحتياجاتنا يأتي بها أقاربنا ويضعونها على الباب بعد التعقيم".
وتؤكد الوادية أن عملها الصحفي في البيت صعب؛ فالإرهاق يداهمها منذ ساعات الصباح الباكر بسببالأعباء المنزلية وعملها الصحفي، رغم محاولاتها المستمرة في عمل توازن"، مشيرة إلى أن زميلاتها في العمل يحاولن تخفيف الأعباء عنها، عدا عن استخدامها السوشيال ميديا للمقابلات بدلا من النزول للميدان.
وبعكس الوادية، يعمل أحمد شلدان مراسل قناة الميادين بقطاع غزة يوميا في الميدان لكن بعد اتخاذه للإجراءات الوقائية كما ذكر "للرسالة".
يحكي أنه اعتاد العمل في حالة الطوارئ، إلا أن الأمر مختلف مع كورونا فتجربة الحجر المنزلي تعد جديدة لجميع المواطنين، مما يضطره وزملاؤه بالميدان لاتخاذ إجراءات وقائية بشكل مستمر وعلى مدار الساعة من حيث تعقيم المايك والكاميرا، وعند اجراء أي مقابلة يكون بينه والشخصية مسافة متر ونصف على الأقل.
ويوضح أنه بسبب عمله في الميدان، يضطر عند عودته للمكتب إلى تعقيم حذائه وغسل يديه جيدا رغم أنه يرتدي أحيانا الكمامة ويلبس القفاز المطاطي، بالإضافة إلى أنه يخرج بسيارته ويكون برفقته المصور فقط بخلاف السابق حيث مساعد المصور وغيره من العاملين كما كانت تقتضي الحاجة عند تغطية الفعاليات.
وعن طبيعة عمله، ذكر أن جميع التقارير السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتت مرتبطة بتداعيات فايروس كورونا عليها، مبينا أن لديه وعي كامل في التعاطي مع الأمر لاسيما وأنه يتخذ كل سبل الوقاية ولم يحتك مع أي من المصابين.
عن أولاده وعائلته يقول:" لا يوجد زيارات عائلية، وأحاول تهدئة صغاري، مشيرا إلى أنه يعتمد التعقيم الدائم خاصة عند عودته لمنزله خشية من حمل أي ميكروب لأطفاله الذين اعتادوا على احتضانه بمجرد وصوله.
ورغم وجود العشرات من الحالات المصابة بفايروس كورونا على مستوى فلسطين بأكملها، إلا أن هناك العديد من الصحافيين الذين يهرعون للميدان لتغطية الحدث ضمن الإجراءات الوقائية، عدا عن عدد أكبر منهم يعملون في بيوتهم ما بين الراحة والتذمر لعدم التركيز.