وصلنا لمرحلة ربما لم نكن نتخيلها في أي من الأزمنة، حيث بناتنا يقبعن في سجون متفرقة، اعتقلهن الاحتلال (الإسرائيلي) تحت ذرائع وهمية، من الضفة وقطاع غزة، يتعرضن لممارسات وانتهاكات خطيرة، وصلت إلى حد سلبهن أول حقوق الفتاة المسلمة، في محاولة السجان لأن ينتقم من الإسلام من خلال قهر المسلمات الماجدات.
دخل السجانون والسجانات على غرف المعتقلات الفلسطينيات في معتقل (الدامون)، وأمروهن بخلع حجابهن وجلابيبهن قسرا، في انتهاك (إسرائيلي) خطير لحقوق الأسيرات، صادروا الجلابيب والحجاب والنقاب من الأسيرات الفلسطينيات.
ثم استبدلوا ملابس الأسيرات الشرعية بـ"بدلة رياضية رمادية" فقط دون الحجاب، وذلك بعد تعيين مدير جديد للسجن، وقد تم إبلاغ المعتقلات أن هذه القوانين جديدة وستطبق بشكل مستمر.
ما معنى أن يسحب غطاء رأس فتاة مسلمة، ويخلع عنها جلبابها الساتر؟! هذا يعني أنها محرومة حتى من أداء صلواتها، حيث الستر شرط من شروط صلاة الفتاة المسلمة، ومحاولة انتهاك حيائهن وكسر إرادتهن.
ليس هذا فحسب، بل هو قهر على قهر وإجبار انتهك حق الإنسان في حرية ملبسه، وسياسة يطبقها الاحتلال حتى يقهر من هم خارج السجن أيضا، وليست الأسيرات وحدهن فقط، ولعقول كل منا خيالات كثيرة لما ستكون عليه أشكال الانتهاكات القادمة لبناتنا.
في الزاوية حيث تجلس كل واحدة منهن، بخوف وقهر، دون خصوصية كأي من البشر، وقد اعتقلت حينما رأى العالم أن الفلسطيني كله تهمة ويجب أن يباد بكل أشكال الإبادة، اقتحم السجانون خلوة الصابرات وصلواتهن، وحرمهن من أدنى حقوق البشرية.
صادر مع ما صادر أحذيتهن، فيخرجن للفورة حافيات دون حجاب، يحاولن ستر ما ظهر قسرا من شعورهن، ويتبادلن زوجا مهترئا من الأحذية كلما حان دور واحدة لمقابلة المحامي الخاص.
تحكم في وقت النوم، ووقت الفورة، ووقت الصلاة، ووقت الطعام، تحكم في كل دقيقة من حياة لا تشبه حياة البشر، في زنازين ضيقة تفتقد التدفئة والهواء وحتى الماء الصالح للشرب، في تصعيد هو الأخطر على حياة الأسيرات، ضمن تصعيد كبير على كل الأسرى منذ السابع من أكتوبر.
وفي سجن الدامون تفرض سياسة المعتقل انتقاما من نوع خاص، وكأنه انتقام من السابع من أكتوبر تمارسه على الأسيرات حيث تفرض سلطات الاحتلال سياسة العزل كعقوبة بحق الأسيرة، تمتد لغاية ستة أشهر بقرار من محكمة الاحتلال العسكرية، وتصل إلى 12 شهراً.
سياسة تعذيب نفسي وجسدي في ظل منع الزيارات منذ عام كامل، وحتى منع مقابلة المحامين والمؤسسات الحقوقية، تعيش الأسيرات حياة مليئة بالقلق والخوف وانتظار المجهول، الذي يباغتهن ويدخل عبر بوابة الزنزانة ليضرب أو يعزل أو يخلع الحجاب، ولا تدري أي منهن ما الذي سينتظهرن غدا ، النوم في قبو، حرمان من الزيارات العائلية، أو التواصل مع زميلات المعتقل، بالإضافة إلى حرمانهن من الطعام الجيد أو توفير المستلزمات، مثل الأغطية والملابس، ويُستخدم هذا الأسلوب، عادة، لكسر صمود الأسرى، سواء في التحقيق، أو خلال تواجدهم في المعتقل.
والآن في معتقل بعيد عن الأعين اسمه الدامون تعيش 94 أسيرة، بانتهاك جديد يعيد المشهد إلى الخلف، إلى سنة 2018، مع قدوم لجنة "أردان" التي شُكِّلت بقرار من وزير "الأمن الداخلي" للاحتلال.
وحتى لا نقول إن هذا التعسف والعنف بدأ مع أحداث السابع من أكتوبر، يجب علينا أن نذكر أن الأسرى والأسيرات جميعا يعيشون واقعا مرا قبل السابع من أكتوبر.
فالكل يذكر أن الأسيرات لم يكن يوما بمعزل عن الواقع الذي يعيشه آلاف الأسرى الفلسطينيين، إذ قامت لجنة "أردان" بإعادة تشغيل الكاميرات في سجن هشارون بعد أن كانت معطلة منذ سنة 2011، وبناءً عليه، رفضت الأسيرات الخطوة التي تنتهك خصوصيتهن وحقوقهن، فاعتصمنَ داخل الغرفة لمدة شهرين من دون الخروج إلى ساحة السجن، فقامت إدارة المعتقل بنقلهن إلى سجن الدامون، وفشلت محاولات الإدارة فصل الأسيرات وتوزيعهن على غرف الدامون.
والآن، تواجه الأسيرات حربا على حقهن في الستر، وفي غطاء الجسد، وفي العفة والحجاب، وبالتالي حقهن في ممارسة عباداتهن، ويدخلن معركة جديدة من معارك الصمود، وفي كل مرة يدفعن الأثمان غالية من الصبر والثبات، ثم ينتصرن.