كشف فيلم استقصائي أنتجته الجزيرة بعنوان "لغز المحارب 88" عن تفاصيل قصة الجاسوس "الإسرائيلي" الشهير إيلي كوهين الذي عمل لصالح المخابرات "الإسرائيلية" داخل الأراضي السورية لمدة 3 سنوات، وأُلقي القبض عليه وأُعدم في سوريا عام 1965.
وقدّم الفيلم رواية متكاملة عن كوهين مبنية على الحقائق، حيث اعتمد على شهادات مباشرة من أشخاص لهم علاقة قريبة جدًا بملف الجاسوس الإسرائيلي.
اكتسب إيلي كوهين -شخصية الفيلم التي وُصفت بأنها "جدلية"- صورة أسطورية عقب إعدامه، حيث ساهمت فيها حرب شائعاتٍ بين أنظمة عربية وغذّتها روايات إسرائيلية غير رسمية، وذلك في وقت لا يزال فيه الموساد الإسرائيلي يرفض حتى اللحظة الإفراج عن ملف قصته الكاملة، رغم مضي أكثر من 50 سنة عليها.
من هو كوهين؟
ولد كوهين في الإسكندرية يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1924 لأبوين هاجرا من مدينة حلب السورية إلى مصر، بينما هاجر هو عام 1957 إلى إسرائيل، ليلتحق بعد 3 سنوات بوحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" التي رأت فيه وفي أصوله الشرقية فرصة لإرساله عينًا لها إلى إحدى الدول العربية.
ومنذ انضمامه إلى الموساد الإسرائيلي الذي عُرف داخله باسم "العميل 88"، تلقى كوهين تدريبات مكثفة تؤهله للمهمة التي أوكلت إليه، حيث قال الباحث الإسرائيلي نوعام تيبر إنه تم تأهيل كوهين بشكل جيد واحترافي جدًا للقيام بمهمته، فتم تدريبه لمدة طويلة وتلقينه بالمعرفة في كل المجالات التي كان يحتاجها.
لكن نهاية العميل كانت بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني 1965 عندما ألقت المخابرات السورية القبض على "كامل أمين ثابت" وهو الاسم الذي استخدمه كوهين في سوريا، وحدث ذلك بعد إرساله برقية عبر جهاز "موريس" إلى المخابرات الإسرائيلية.
أسطورة المبالغة
لا يزال مكان دفن جثة كوهين مجهولا، وقد أثيرت حول ذلك روايات كثيرة متضاربة تتعلق بطبيعة المهمة التي قام بها في سوريا، وطبيعة العلاقات التي نسجها هناك.
ومن بين أكثر تلك الروايات جدلا، كانت مسألة علاقته بأهم أركان الحكم في سوريا وعضويته في حزب البعث.
غير أن الباحث تيبر يؤكد أن التعليمات كانت واضحة لكوهين -وهو لم يتجاوزها- بأن "لا يقترب من النخبة السورية، وألا يدخل مطلقا إلى قاعدة عسكرية.
كما نُسجت روايات أسطورية كثيرة حول الدور الذي لعبه كوهين في التجسس داخل سوريا، فبين تهويل واستخفاف بطبيعة مهمته، تبين من خلال البحث أن كوهين توسع في علاقته مع عدد قليل من الأشخاص، أبرزهم هيثم قطب الذي ساعده عبر شقيقه وحيد قطب -الذي يعمل مرشدا للطيران- في اصطحاب كوهين في جولة جوية.
واعتمد كوهين أيضا على صداقة شخصين آخرين للوصول إلى مزيد من المعلومات، فوثق علاقته بموظف القسم اللاتيني في إذاعة دمشق جورج سيف الذي أتاح له الاطلاع على كواليس الأخبار، وخاصة تلك التي لا يتم بثها، علاوة على علاقته بالموظف البسيط معزي زهر الدين الذي استمد أهميته من كونه ابن شقيقة عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش في حكومة الانفصال.
الاعتقال
تصادمت الروايات الأسطورية التي نسجت حول شخصية كوهين مع الأسباب التي أدت إلى انكشاف سره وتمكن المخابرات السورية من الوصول إليه، حيث كشف الفيلم عن تفاصيل وحيثيات ليلة اعتقال كوهين من داخل شقته.
وأجمع ضيوف الفيلم على أن أهم الأسباب التي أدت إلى وقوع كوهين في قبضة المخابرات السورية، كان خرقه لقواعد استخدام جهاز "موريس" لإرسال المعلومات المشفرة إلى المخابرات الإسرائيلية، فأشار بريتون في هذا الصدد إلى أن نقطة الضعف الأكبر عند كوهين كانت الإصرار على استخدام جهاز البث بشكل مفرط، فجعل نفسه مكشوفًا ببساطة من خلال البث لفترة أطول بكثير مما ينبغي، لأنه انتهك قوانين عمله.
ومع تواصل برقيات كوهين الطويلة، تم التقاطها من إحدى الرواشد الروسية التي تستخدمها شعبة المخابرات السورية، ورغم أنها لم تنجح في البداية في معرفة مصدرها أو مضمونها، فإن تواصلها بذات الأسلوب سهلت الطريق أمام المخابرات السورية للوصول إلى مصدر الإشارة، حيث تم تحديد المبنى السكني الذي يتم البث منه، واستأجرت المخابرات السورية شقة سكنية فيه، وتم بعدها تحديد الشقة واقتحامها أثناء بث كوهين عبر جهاز "موريس".
عقب إعلان سوريا إمساكها بجاسوس إسرائيلي يعمل على أراضيها، مارست تل أبيب ضغوطًا على النظام السوري سعيًا منها لإطلاق سراحه، وقال أحد قياديي حزب البعث مصطفى رستم -الذين صوتوا على تأييد حكم إعدام كوهين- إنه مورست ضغوط على الدولة السورية لعدم إعدام كوهين، وقد كان الرأي أنه لا بد من الحسم بسرعة، وبالفعل فقد أُخذ قرار الإعدام في ذات الليلة التي أعدم فيها.