قائمة الموقع

غزة فخر الصناعة الوطنية

2020-04-17T15:22:00+03:00
بقلم: خالد النجار

 
أخذتني الدهشة قبل كتابة تلك السطور، حين رأيت ما تنتجه القوى العاملة في غزة من معدّات واقية وعقاقير طبية، وتوظف إمكاناتها البسيطة لتحقيق مبتغاها وهو الحفاظ على مستوى محدود من التوازن للبقاء في حالة استعداد تام لتعزيز كافة سبل مواجهة الوباء، فما زالت تقف غزة عصية أمام طوفان كورونا المدمر الذي اجتاح العالم وأحدث به دماراً واسعاً في ظاهرة غير مسبوقة في هذا الكون، إلا ما ندر منها خلال انتشار بعض الأوبئة، كالملاريا، وانفلونزا الطيور، والانفلونزا الإسبانية والتي قتلت مئات الآلاف من البشر. 
غزة لا تتوفر بها أي من مقومات الحياة كباقي الدول الأخرى، وهي بحاجة ماسة لدعم متواصل، سيما مع نفاذ العديد من الأصناف والعقاقير الطبيبة والمعدّات الأخرى، وعدم توافر أجهزة التنفس للمرضى، وهنا يسعني الحديث عن أزمة داخل القطاع الصحي تفشت قبل الإعلان عن أزمة كورونا نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، حيث النقص الحاد في معظم ما يلزم للمرضى والمشافي والمراكز الصحية المنتشرة في قطاع غزة، وما زال الاحتلال يضرب بعرض الحائط، ويتهرب من مسؤولياته كاحتلال وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، ويتربع على سلم عرش الهيمنة والقوة الداعمة لانتشار الفايروس بين الفلسطينيين، وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام صور حية لجنود إسرائيليين خلال عمليات مداهمة لمدينة الخليل وهم يبصقون على أبواب مركبات الفلسطينيين المصطفة على الطرقات، لنقل العدوى لقطاع وشريحة واسعة من الفلسطينيين والزج بهم في وحل الوباء العالمي. 
غزة المحاصرة والتي يرزح سكانها البالغ عددهم ما يقرب من اثنين مليون نسمة تحت حصار جائر ظالم، يُمارَس خلاله كافة وسائل وأدوات القمع والفحش والفجور والعنصرية والعبث بحياة السكان، بل وحرمانهم من تلقي الخدمة الصحية، الأمر الذي دفع عدد من المنظمات الدولية بالإقرار أن غزة لا تصلح للحياة في أعوامها القادمة، وفي تقرير أعدته (OCHA) مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، استعرض خلاله الضغط الشديد الذي يتعرض له القطاع الصحي بسبب آثار الاحتلال والحصار المفروض على القطاع، كذلك النمو السكاني السريع، وانعدام الموارد المالية الكافية والنقص في الامدادات الأساسية، وأن الانقسام الفلسطيني خلّف تداعيات جمّة، أكثرها أهمية في هذا التوقيت التدهور الخطير الذي أصاب القطاع الصحي، وعدم توافر كافة الإمكانات الأساسية التي تلبي احتياجات القطاع. 
وعندما ظهرت كورونا وبدأت تتفشى شيئاً فشيئاً، بلغت القلوب الحناجر في غزة، بلد الإثنان مليون نسمة وأعلى كثافة سكانية في العالم، وأكثر بقاع الأرض فقراً، وأعلى معدل بطالة في العالم، والمحاصرة منذ ثلاثة عشر عاماً، لا يدخلها إلا ما تيسر من غذاء، وما يغطي نصف احتياجاتها من دواء. ينظر الغزييون في أنفسهم أنهم رواداً حتى في آتون الحصار والفقر والجائحة التي تغطي العالم ولم تترك منطقة إلا حطمت معالم مظاهرها اليومية، وأحدثت شللاً في تفاصيل حياة الإنسان بدقتها وبساطتها. فمن كان يصدق يوماً أن يعجز العالم في مقاومة الوباء وتنتفض غزة وتُفعّل كل ما لديها من إمكانات حتى وصلت إلى إعادة تشغيل عدد من المصانع المتخصصة في بعض المعدات الوقائية والتي يفتقد العالم لها اليوم، وتتحرك للحصول عليها أجهزة مخابرات العدو وشركات عالمية وقوى أخرى خارجية؟.  
من بين تلك المصانع ما أُغلق نتيجة الحصار الإسرائيلي ومَنْع معداتها اللازمة لعمليات التشغيل، ومنا ما تعرض للقصف والدمار نتيجة العدوان المستمر على قطاع غزة، ومنها ما أعلن إفلاسها واعتُقل مالكيها على ذمم مالية لعدم قدرتهم على تغطية نفقاتها، فهل جزاء هذا الخراب والدمار والحصار أن تُصدّر غزة الأقنعة والمعدات الواقية لعالم صمت أمام الحروب والدماء النازفة وقتل الآلاف من أبنائها وتهجير الآلاف من شبابها إلى أحراش تركيا واليونان وبعض البلدان التي يظن البعض انها ستكون مأوى يأوي طاقاتهم وطموحهم المفقود؟ فمن أي جنسٍ من البشر أنتم يا أهل غزة؟ وأيُّ وفاء هذا الذي يحرك ضمائركم؟ وأيُّ ضمير هذا الذي تملكونه ليقودكم نحو هذا الإبداع في العطاء؟.

اخبار ذات صلة