الحكيم "عبد الهادي" احتضن الطفلة "حلا" المصابة بالشلل داخل الحجر

غزة – مها شهوان 

اعتاد الحكيم يوسف عبد الهادي العمل في الأزمات منذ أن كان ممرضا في العراق، حتى عاد إلى قطاع غزة وعمل في الرعاية الأولية داخل مستوصف النصيرات لكن في حالات التصعيد والقصف يتحول عمله إلى الإسعاف والطوارئ.

هذه المرة كانت التجربة مختلفة للحكيم عبد الهادي حين وجد نفسه نزيلا مدة 21 يوما في مركز الحجر الصحي يؤدي عمله لرعاية المسافرين العائدين خشية اصابتهم بفايروس كورونا.

عبر فيسبوك وبعد انتهاء الحجر الصحي للنزلاء، عبر الكثيرين عن احترامهم لرجال الامن والطواقم الطبية، لكن أكثر ما كان لافتا الحديث عن ممرض كان يحتضن طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تتجاوز الثلاثة أعوام.

ورغم الالتزام بالحجر المنزلي، بحثت "الرسالة" عن الحكيم الذي ذاع صيته بين جميع النزلاء وذويهم حتى وصلت إليه عبر الهاتف، ليقص حكايته مع الطفلة "حلا أبو عمرة".

بداية الحديث استغرب الحكيم المكنى بـ "أبو هاني" من الاتصال فهو بحسب قوله لم يفعل سوى عمله الإنساني، وكل ما قام به رعاية طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة تحتاج إلى دعم طبي يختلف عن بقية النزلاء.

يقول:" منذ العمل داخل مركز الحجر الصحي بمدرسة رودلف فالتر، تم تصنيف الحالات المرضية

"قلب مفتوح، قدم سكري، وغيره" وكل حسب وضعه وكان بعضها بحاجة إلى رعاية خاصة تم تحويلهم إلى الفنادق".

وتابع وهو يستذكر المشهد مع الطفلة "حلا": حين شاهدتها شعرت وكأنها حفيدتي (..) لدي أحفاد بعمرها"، مبينا أنه اقترب منها حتى علم بوضعها حيث تعاني من شلل شبه رباعي ولا تحسن الرؤية جيدا، فعمل على تقديم الدعم الصحي لها.

ويحكي أبو هاني أنه كان يحرص أن يكون صدرها بوضع صحي جيد ولا تحتاج الخروج للمستشفى، ودوما كان يطمئن عليها، لاسيما بعدما كانت برحلة علاجية برفقة والدتها في مصر.

وحين يأتي المساء كان الحكيم المعروف بابتسامته الهادئة بين جميع النزلاء يحرص على تفقد أحوال "حلا" وهنا يعلق: الطفلة كانت تعاني من شردقة الرضاعة بعض الأحيان لذا كنت اطمئن عليها، عدا عن النفخة وارتفاع درجة الحرارة، مما كان يضطرني لأن أضع لها لها أنبوب يصل الأنف بالمعدة وأعطيها السوائل برفقة أمها.

بشاشة وجه الحكيم جعلت النزلاء يطلقون عليه فيما بينهم بملاك الرحمة، وعلى ما يبدو فإن طيبة قلبه كانت تنعكس على وجهه، ويستذكر حدثا جعله يتوقف قليلا عن الحديث ليكمل بكلمات مخنوقة:" إحدى المرات ساء وضع الطفلة كثيرا مما تطلب وجودها في المستشفى وكان ذلك بعد التنسيق مع الداخلية ووزارة الصحة".

ويكمل:" طيلة غياب حلا عن المدرسة كنت قلقا، فنزعت ثوب التمريض وارتديت ثوب الجد فبقيت متلهفا لأسمع استقرار وضعها الصحي فقبل أخذها بالإسعاف خلعت ملابسي الوقائية والكمامة وحملتها إلى السيارة (..) أقل من ربع ساعة حتى عادت وأثبتت الفحوص سلامتها".

العمل الإنساني الذي قام به الحكيم أبو هاني قابله البعض بالهرب منه، لكنه سرعان ما عقم نفسه وبدل ملابسه حرصا على سلامة من يعملون معه.

وينصح الحكيم العاملين في القطاع الصحي بالمرونة والليونة في التعامل مع المرضى، كونهم بحاجة إلى كلمة طيبة تحسن من حالهم.

وعن ذكريات اليوم الأخير لمغادرة الحجر في المدرسة، يروي أنه ودع الطفلة بعدما التقط لها بعض الصور، وبعد وقت قصير عاد لعائلته التي استقبلته بحفاوة مع حرصه على حجر نفسه مدة أسبوع كامل.

ويختم قوله:" تجربتي في الحجر الصحي كانت مميزة تعلمت الكثير رغم مضي عشرين عاما في العمل بمجال التمريض".

البث المباشر