شرت مجلة "فورميكي" الإيطالية تقريرا تحدثت فيه عن الأسلحة البيولوجية وتاريخها ومخاطرها، بالإضافة إلى أسباب تراجع استخدامها في الوقت الحالي، مع التطرق إلى فرضيّة أن فيروس كورونا ناتج عن حرب بيولوجية وكيفية استجابة البلدان لهذه الفرضية.
وقالت المجلة، في تقريرها، إن هذا الوباء أثبت أنه مقياس هام لتقييم استجابات الدول في مواجهة سيناريوهات الحرب البيولوجية والإرهاب البيولوجي، رغم أننا لا نعيش حربا بيولوجية.
ورغم الشكوك حول ذلك، خاصة تلك التي أعلنت عنها الاستخبارات الأميركية، فإن قسما كبيرا من المجتمع العلمي الدولي يتفق على الأصل الطبيعي للفيروس.
ومع ذلك، فإن المواطنين في جميع أنحاء العالم يخضعون لتدابير الاحتواء التي يمكن أن تفرضها حكوماتهم في حالة حدوث هجوم بيولوجي في المستقبل.
وأوضحت المجلة أن الأسلحة البيولوجية التي تعتمد على انتشار مسبب ممرض، مثل فيروس أو طفيلي، أو السموم التي ينتجها كائن حي آخر، وقع إدراجها في تعريف "أسلحة الدمار الشامل" جنبا إلى جنب مع الأسلحة الإشعاعية والكيميائية والنووية. فالوفيات الناجمة عنها وعدم القدرة على التنبؤ بها وحجم مخلفاتها تجعل استخدامها مثيرا للجدل ويمكن تصنيفها وفقا لمعيار الخطورة وقدرة انتشار العدوى.
وفسرت المجلة أن بعض الجراثيم يمكن أن تكون فتاكة للغاية، إلا أن قدرتها على الانتشار محدودة إلى حد كبير، كما هي الحال مع الجمرة الخبيثة (الأنثراكس) أو الريسين. وتستخدم هذه المواد خاصة للتخويف أو القتل المستهدف.
وأفادت المجلة بأن هناك عامل تصنيف إضافي هو "وقت الحضانة". ففي سياق عسكري بحت، تسمح الحضانة القصيرة للغاية بالتحرك بسرعة وتحقيق أقصى قدر من الضرر. في المقابل، يمكن أن تستجيب الحضانة الأبطأ على نحو أفضل لاحتياجات الجماعات الإرهابية، مما يسمح لمنفذ العملية بإخفاء الأدلة والقيام بعملية واسعة النطاق ومنظمة قدر الإمكان، قبل تفطن السلطات.
ولفتت المجلة إلى أننا نشهد الأثر المدمر للوباء على المجتمعات التكنولوجية المتصلة اتصالا وثيقا فيما بينها. ولذلك، فإن السؤال المطروح هو "لماذا لم تعد هذه الأسلحة تستخدم اليوم؟".
وتجيب بأن الأسباب تختلف تبعا للجهة التي تقف وراء هذه الهجمات، حكومية كانت أو غير حكومية.
من ناحية الجهات الحكومية، فقد كان هناك التزام دولي تدريجي بالتخلص من الأسلحة البيولوجية خلال الحرب الباردة في سنة 1969، كما كان إعلان الرئيس نيكسون عن وضع حد لأبحاث الأسلحة البيولوجية وإنتاجها وتخزينها سببا في إثارة نقاشات مكثفة أدت في نهاية المطاف إلى التوقيع على اتفاقية الأسلحة البيولوجية في سنة 1972.
ولكن يُعتقد أن جميع القوى العسكرية الكبرى في العالم اليوم لا تزال تحتفظ بهذه الأسلحة سرا. وحتى يومنا هذا، لا يستبعد أن تستمر بلدان مثل الصين، وخاصة إيران وكوريا الشمالية، التي تربط بقاءها في اللعبة الجيوسياسية الدولية بالردع القوي، في إنتاج الأسلحة البيولوجية والحفاظ عليها، على حد قول المجلة.
وعلى الرغم من وجود هذه المواد، فإن الأسباب التي تدعو إلى استبعاد استخدامها اليوم لا تكمن في خطر معالجتها وتسببها في وفيات كثيرة فحسب، بل تكمن في عامل نفسي مهم. إذ يعتبر استخدام هذه المواد من المحرمات عالميا، لأنها على غرار الأسلحة النووية، تهدد البشرية جمعاء.
وترى المجلة أنه لن تجرؤ أي دولة اليوم، دون تبريراتها الخاصة، على استخدام الأسلحة البيولوجية لأغراض عسكرية. وكان مجرد الاشتباه في وجود ترسانة كيميائية جرثومية في أيدي صدام حسين كافيا لحشد دعم دولي واسع النطاق لغزو العراق في سنة 2003.
في المقابل فإن الجهات غير الرسمية مثل "المنظمات الإرهابية" قد تجد الدوافع الأيديولوجية اللازمة لاستخدام هذه الأسلحة، وهي نفس الدوافع التي استندت إليها الهجمات على البرجين التوأمين أو الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة خلال فترة توسعه الإقليمي.
ورغم عامل الإرادة في استخدامها، توجد في هذه الحالة عقبات ذات طبيعة لوجيستية. فمن الصعب للغاية بالنسبة للكيانات التي تفتقر إلى التنظيم لهذا الحد أن تجد وتحافظ على مثل هذه التكنولوجيات والمهارات العلمية النادرة والمتطورة.
ومع استبعاد بعض الحالات القليلة، نجد أنه لم تقع في التاريخ الحديث حوادث هامة من الحرب البيولوجية أو الإرهاب البيولوجي. بيد أنه في ضوء الوباء الحالي، من المناسب إضافة بعض العناصر إلى هذا التفكير، فقد كان وباء كورونا مقياسا مهما سمح للمراقبين الدوليين بتقييم استجابة كل دولة على حدة لحالة الطوارئ، مما كشف عن ثغرات نظامية كبيرة.
وختمت المجلة بالقول: "إنه في الصراعات المعاصرة وفي إطار الاحتكاكات الحالية بين الدول الكبرى، وقع تجاوز مفهوم التدمير الشامل إلى حد كبير. واليوم، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى إضعاف الخصم وشل حركته في الأمد المتوسط والبعيد. ولن تحتاج الجهات الفاعلة الجيوسياسية الحذرة بشكل خاص إلى نشر الجراثيم الفتاكة، مثل الإيبولا، لأن الآثار المدمرة لفيروس على الاقتصاد وعلى المجتمع ككل أصبحت أمام أعيننا كل يوم".