يحكى أن زوجة سمعت صوتا غريبا ذات ليلة للص يحاول التسلل إلى منزلها، فما كان منها إلا أن أيقظت زوجها لتنبهه بالأمر، لكنها تفاجأت برده (لا تخافي الخطر في الخارج، وخلفك راجل).
شيئا فشيئا اقتربت خطوات اللص داخل المنزل، وفي كل مرة كانت تحتمي الزوجة بزوجها وتنبهه، فيكون رده (لا تخافي لا يزال الخطر خارج الغرفة، وخلفك راجل).
دخل اللص غرفة نومهما وسرق كل ثمين داخلها، وبخوف همست الزوجة بأذن زوجها أن اللص بات بيننا، فقال (طالما الخطر ما وصل "طيــــ...."، فأنا بخير، ولا تخافي خلفك راجل).
الحكاية السابقة تحكي تفاصيل ما يجري منذ وصول السلطة الفلسطينية الى الأرض المحتلة، وشيئا فشيئا يقضم الاحتلال الأرض ويضم المقدسات وينهب الخيرات، وفي كل مرة تهدد السلطة بتحللها من الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، لكن دون أن ترى تلك الخطوات لها طريقا على الأرض، وتوهم الشعب بأن (خلفه راجل)، ولن يمر مخطط الاحتلال بضم الضفة وتنفيذ بنود صفقة القرن.
منذ احتلال الضفة والقدس استخدم الاحتلال سياسة الضم الزاحف لبسط سيطرته على كامل القدس والمناطق المصنفة (ج) التي تشكل حوالي 61% من أراضي الضفة الغربية، والتي تقدم لها السلطة الخدمات الطبية والتعليمية للفلسطينيين بموجب اتفاقية أوسلو ولكن تنفرد (إسرائيل) بالسيطرة الأمنية والإدارية عليها.
مؤخرا وصل الاحتلال لآخر حلقات الاستيطان والتهويد بقراره القاضي بضم الضفة المحتلة، وذلك يعني أن الضفة التي تمثل 21% من مساحة فلسطين التاريخية، سيكون جزء كبير منها تحت سيطرة الاحتلال، وذلك على النحو التالي:
• مناطق ج التي تمثل 61% من أراضي الضفة الغربية ستؤول معظمها حسب خطة الضم للاحتلال
• إلتهم الجدار الفاصل سابقا 13% من أراضي الضفة الغربية
• يتطلع الاحتلال إلى ضم غور الأردن الذي تشكل نسبته 25% من مساحة الضفة المحتلة
بهذا المخطط يكون الاحتلال قد أجهز على أراضي الضفة المحتلة، وابتلعها ضمن نفوذه، فماذا فعلت السلطة الفلسطينية لمواجهة هذا القرار؟ وكيف سيكون شكل سيادتها على الأرض؟
بقيت قيادة السلطة الفلسطينية حريصة خلال حديثها الخفي والمعلن بتمسكها باستكمال طريق المفاوضات، حتى وصلت في العام 2015 الى قناعة بصعوبة استمرار ذلك، وأخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير توصية بوقف التنسيق الأمني، وكرر التوصية في العام 2018 لكن دون جدوى، والغريب في الأمر أنها عادت حاليا تدندن على عودتها للمفاوضات مرة أخرى.
ما يبرر التشبث بالمفاوضات رغم وصول الاستيطان والضم الى ذروته وقضائه على الأراضي الفلسطينية، هو وجود مجموعة من السلطة مستفيدة من بقائها على هذا الحال، حتى لو اقتصرت سلطتها على محيط سكنها فحسب، لأن اتخاذهم أي قرار خارج دورهم الوظيفي المنسق مع الاحتلال يعني أنهم فقدوا كل الامتيازات، والرواتب والمكافآت، وبطاقات VIP، والسفر عبر مطار (بن غوريون).
ويستطيع من يحمل بطاقة VIP1 أن يقود سيارته مع مرافقه، متخطياً الحواجز العسكرية الإسرائيلية، ويدخل إلى القدس أو فلسطين المحتلة عام 1948، ويسافر عبر مطار (تل أبيب)، وكذلك يتخطى معبر الكرامة بسهولة، بينما لا يستطيع مئات آلاف الفلسطينيين فعل الأمر ذاته.
المعلومات المالية تشير أن الفئات العليا في السلطة تستنزف 33.3% من موازنة السلطة أي ثلثها ما بين رواتب وامتيازات، ويستغلون مواقعهم لبناء استثماراتهم الخاصة، لذلك "ضموا واغتصبوا الأرض، ولكن لا تقتربوا من مؤخرة السلطة!"