من خلال دراستي للسيرة النبوية، وجدت أن المراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية، منذ الاستضعاف حتى الاستخلاف، سبعة مراحل، وهي: الصدمة، وتأسيس كيان، والمناوشة، والمقارعة، والندية، وكسب أرض جديدة، والنصر المبين. وقد قارنت بينها وبين المراحل التي مر بها الشعب الفلسطيني، منذ التهجير حتى وقتنا المعاصر، وحتى يتم تحرير فلسطين إن شاء الله، فوجدت تطابقا كبيرا جدا.
وفي هذه الحلقة، سأتحدث عن أولى هذه المراحل، وهي: الصدمة.
أورد الإمام البخاري في صحيحه، من حديث خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ، وهو متوسدٌ بُردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: "ألا تستنصُر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاءَ إلى حضرموتَ، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
"ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟" هي الطبيعة الإنسانية، التي تميل إلى الراحة، والصحابة لم يكونوا خارج الفطرة البشرية، ومع ذلك صبرت على شيءٍ من العذاب، حتى بدت الرغبة في إنهاء عاجل لهذا الواقع المؤلم، ودعاء النبي ﷺ، هو العلاج الأفضل، والحلُّ الأسرع، لكنَّ المنهجية الجديدة التي ثبتها رسول الله ﷺ، جاءت لتغير تلك الطبيعة البشرية؛ فترى حينها أن الراحة في الحركة؛ لنشر دعوة السماء، وأن الغنى في التضحية والعطاء، وأن السلامة هي نقاء الفكر من شعوذات الأشقياء.
كان ردُّه ﷺ يحوي إشاراتٍ قاسيةً، لكنها كانت ضرورية؛ لإيقاظ الحالة الشعورية، تهيئةً للنفس المؤمنة أن الطريق عسيرة، والعقباتِ كثيرة، فمن اختارها فليعلم أنه لا إيمان بلا فتن.
إنَّ هذه الحالة من الصدمة الحضارية، التي ينقلها لنا خَبَّابٌ رضي الله عنه، هي الصدمة ذاتها التي تعرَّض لها الشعب الفلسطيني، كان شعباً آمناً مطمئناً، فَسِيقت إلى أرضه أَوشَابُ اليهود، يزعمون أن الله أورثهم الأرض المقدسة، فاعتدوا على الحرمات بالقتل والتدمير، فكان ذلك شديدَ الأثر في نفوس الفلسطينيين، فلعله لم يخطر ببال العامة، أن يعتديَ شعبٌ على آخر، فيخرجَه من أرضه وماله، وبدعم العالم الغربي وتأييده، وبمساندةٍ من أنظمةٍ عربية.
صدمةٌ سبقت طرده، وصاحبت تهجيره من أرضه، فقاومها الشعب الفلسطيني سلمياً وعسكرياً، ومع عظمة ذلك التصدي للعدوان الصهيوني، إلا أنه ظلَّ قاصراً عن ردع المشروع الصهيوني، ذلك أن المقاومة الفلسطينية كان ينقصها التربية الإيمانية أحيانا، أو التربية الجهادية في بعض الأحيان، وحالت الظروف الطبيعية دون ذلك في أحيان أخرى، فعلى سبيل المثال لم يكن للشعب الفلسطيني كيان يحافظ على النصر، الذي تحقق باستعادة قرية القسطل عام 1948، ويتداخل مع هذه العوامل الخذلان العربي والإسلامي الرسمي.
لقد أخذت هذه المرحلة فترة من الوقت، فآثار الصدمة تختلف من شخص لآخر، وقد استمر ذلك الحال فترة من الزمن، حتى ذهب أثر الصدمة، وأدرك الناس مبرراتِ هذه الأطراف ودوافعها كافة، اليهود، والعالم الغربي، والأنظمة العربية، وأيقن الشعب أن الواقع الحياتي ليس كما الأحلام والطموحات، التي ترسمها لك مخيلتك، إنه صراع أبدي بين حقٍّ وباطل، ولن تنتهي هذه المعركة، إلا بانتهاء الوجود البشري على هذه الأرض.
وفَهِمَ الناس كما فَهِمَ خبابٌ وصحبه، أن من حمل اللواء، فستعترضه السهام واحداً بعد واحد، يكاد كلٌ منها أن يفتك به، فإذا ظن أنه نجا من آخرها، أتاه آخر، حتى يغدو من اجتاز تلك المحطات، لبنة قوية في بنيانٍ متماسك.
بدأت الصدمة قوية جداً ببداية التعذيب، ثم بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً، حتى انتقلت الجماعة إلى المواجهة الواعية.
أما أهداف المرحلة، فهدف واحد عظيم، هو إنقاذ المجتمع من آثار الصدمة، والعمل على ألا تطول فترتها، وذلك من خلال تذكير المؤمنين بسنن الله تعالى، والتذكير بالنماذج الجهادية في الأمم السابقة، وفي هذه الأمة، والمجتمع الذي نعيش.
مراحل النصر: الصدمة
د.إبراهيم صقر الزعيم