لم يقف مرور نحو 72 عاما على تداول آخر ورقة من "الجنيه الفلسطيني" حائلا بين الفلسطينيين والحلم بإعادة إصدار هذا "الجنيه"، الذي لا يعرف حتى اليوم أين ذهبت الأموال الفلسطينية المجمدة بعد وقف العمل به من قبل الحكومة البريطانية المنتدبة على فلسطين وقتها!
كان "الجنيه الفلسطيني" العملة الرسمية المتداولة في مناطق الانتداب البريطاني التي شملت فلسطين وإمارة شرق الأردن ما بين عامي 1927 و1948، وكان يقسم إلى 1000 مل، وصدر عن "مجلس فلسطين للنقد" الذي كان تابعا لوزارة المستعمرات البريطانية.
وكان "الجنيه المصري" هو العملة الدارجة في فلسطين والأردن عام 1920 بعد انهيار الدولة العثمانية التي كانت تتداول عملة الليرة.
حملت القطع النقدية والأوراق المالية من "الجنيه الفلسطيني" اللغات الرسمية الثلاث لحكومة الانتداب البريطاني، الإنجليزية والعربية والعبرية، وعبارة "إن ورق النقد نقد قانوني لدفع أي مبلغ كان"، وذلك تطبيقا لما نص عليه "صك الانتداب" وما جاء به "وعد بلفور".
وقد عارض العرب وضع كتابات باللغة العبرية على ورق النقد الجديد.
وظهرت على ورقة 500 مل صورة لـ "قبر راحيل"، وعلى ورقة الجنيه الواحد ظهرت صورة لقبة الصخرة، وما تبقى من أوراق ظهرت عليها صورة لمئذنة الجامع الأبيض الواقعة في الرملة، ومن الخلف صورة لـ"برج داوود" الواقع في قلعة القدس. مع إضافة "إ.ي" اختصارا لـ"إيرتس يسرائيل" أي "أرض إسرائيل"، وهو موقف متحيز وفيه استخفاف بالجانب العربي.
كما صادف يوم تبديل النقد الجديد مرور عشر سنوات على "وعد بلفور"، فقامت المظاهرات في القدس ويافا وغيرهما من المدن الفلسطينية منددة بالكتابة العبرية وسياسة بريطانيا، وسميت بـ"مظاهرات النقود".
ورغم أن "الجنيه الفلسطيني" سمي بالعبرية "فونت"، إلا أن العرب واليهود أطلقوا عليه اسم "الليرة " المكونة من مائة قرش، وهو موروث من فترة استعمال "الليرة العثمانية". كما استعملوا "التعريفة" المكونة من نصف قرش، و"البريزة" المكونة من 10 قروش، بتأثير استخدام العملة المصرية.
وكان "الجنيه الفلسطيني" يساوي "الجنيه الإسترليني" البريطاني بالضبط، حتى أطلق بعض الناس اسم "شلن" على القطعة النقدية بقيمة 50 مل، إذ ساوت قيمته قيمة "الشيلينغ" البريطاني .
وكان يتداول في فلسطين عملات ورقية من فئة الجنيه، والخمسة جنيهات، وعشرة جنيهات، وخمسين جنيها، ومئة جنيه، إضافة إلى عملات معدنية.
وعند نهاية مدة الانتداب البريطاني عام 1948 واحتلال أجزاء من فلسطين، انحل "مجلس فلسطين للنقد " فأوقف إصدار "الجنيه الفلسطيني".
من جانبه قام الأردن بإصدار الدينار الأردني الذي كان العملة المتداولة أيضا في الضفة الغربية. أما في قطاع غزة حل "الجنيه المصري" محل "الجنيه الفلسطيني".
وفي دولة الاحتلال استمرت المعاملة بـ"الجنيه الفلسطيني" حتى عام 1952 حين أسس البنك المركزي الإسرائيلي الذي أصدر "الليرة الإسرائيلية" بدلا عن "الجنيه الفلسطيني". وأصبحت كل عشر ليرات إسرائيلية "شيكل"، ثم تدهورت قيمة هذا "الشيكل" ليستبدل بـ"الشيكل" الجديد .
وبحسب مصادر متعددة، فقد بلغ إجمالي النقد من "الجنيه الفلسطيني"، الذي كان موجودا ومتداولا في فلسطين فقط حتى عام 1948، نحو 52.6 مليون "جنيه فلسطيني"، بحسب بحث حول العملة الفلسطينية صادر عن سلطة النقد الفلسطينية .
في حين بلغ إجمالي النقد من عملة الجنيه داخل فلسطين وخارجها، 96 مليون جنيه، وتوجد هذه الأموال في كل من الأردن بقيمة 6 ملايين جنيه، و3 ملايين جنيه أخذته "حكومة عموم فلسطين" حينها.
كما يوجد مبلغ 43.5 مليون جنيه فلسطيني لدى الفلسطينيين واليهود في فلسطين وخارجها، و23 مليون جنيه فلسطيني ظلت في فلسطين بعد النكبة عام 1948، ونقد كان موجودا مع العرب بقيمة تبلغ 23.5 مليون جنيه.
يدور حديث حول إصدار عملة وطنية فلسطينية، وإمكانية تداولها بدلا من "الشيكل" الإسرائيلي في السوق المحلية. ويعد "الشيكل" عملة رئيسية متداولة في السوق الفلسطينية، وهي عملة التداولات التجارية اليومية، والرواتب الشهرية لموظفي الحكومة وغالبية القطاع الخاص تدفع به.
ويقول الخبير والمستشار المالي والمصرفي الفلسطيني، عاطف علاونة ردا على استفسارات صحفية؛ "إن كل احتياط الأموال من الجنيه الفلسطيني كان موجودا في البنك المركزي البريطاني، الذي كان مسؤولا عن مجلس النقد الفلسطيني حتى عام 1948، والإجابة عن أماكن تلك الأموال وحجمها الحقيقي، ستكون لديهم فقط".
فيما تذكر مصادر فلسطينية أن مجموع الأموال الفلسطينية المجمدة بلغ نحو 130 مليون جنيه إنجليزي، منها 54 مليون جنيه على هيئة سندات لتغطية النقد، وحوالي 76 مليون جنيه أرصدة بنكية، وقد جمدتها تحت عنوان "الأرصدة الإسترلينية"، وهي في الحقيقة حق من حقوق الشعب الفلسطيني، كما أخذت معها عند انسحابها نقودا كانت في البنوك، بينما استولى اليهود على القسم الآخر. بحسب دراسات نقدية فلسطينية عديدة.
وكانت بريطانيا قد فرضت قانون "الدفاع المالي الإنجليزي" على الأموال الفلسطينية الموجودة بإنجلترا، ومنعت خروجها منها.
ولم يغب "الجنيه الفلسطيني" عن الشارع الفلسطيني تماما، فقد كان الحديث عن إعادة إحيائه يراود الفلسطينيين من فترة إلى أخرى، كانت آخرها مع اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"القدس عاصمة لإسرائيل".
ويدور حديث حول إصدار عملة وطنية فلسطينية، وإمكانية تداولها بدلا من "الشيكل" الإسرائيلي في السوق المحلية. ويعد "الشيكل" عملة رئيسية متداولة في السوق الفلسطينية، وهي عملة التداولات التجارية اليومية، والرواتب الشهرية لموظفي الحكومة وغالبية القطاع الخاص تدفع به.
وبحسب أحد ملاحق اتفاقية أوسلو (بروتوكول باريس الاقتصادي)، فإن 5 عملات متداولة في فلسطين، هي: الشيكل، الدولار، الدينار الأردني، الجنيه المصري، اليورو.
لقد رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مبادرات عدة للسلطة الفلسطينية، بإعادة إصدار "الجنيه الفلسطيني" كعملة رئيسية في الأراضي الفلسطينية، في إطار خطة بناء مؤسسات "الدولة".
وكان من المفترض طباعة أوراق نقدية تحمل صور الرئيس الراحل ياسر عرفات، والحرم القدسي الشريف، وصورا لبعض المدن الفلسطينية المحتلة، لكن دولة الاحتلال ترفض هذه الخطوة، بذريعة أن السلطة الفلسطينية لا تملك بنكا مركزيا.
رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مبادرات عدة للسلطة الفلسطينية، بإعادة إصدار "الجنيه الفلسطيني" كعملة رئيسية في الأراضي الفلسطينية في إطار خطة بناء مؤسسات "الدولة".
محافظ سلطة النقد الفلسطينية السابق جهاد الوزير، أوضح في تصريحات صحفية، أنه كي يتحقق هذا الأمر، لا بد من توافر السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على الأرض والحدود، إلى جانب استقلالية سلطة النقد، ومن هنا يأتي الرفض الإسرائيلي خشية أن يكون صك العملة بوابة تكرس مفهوم "الدولة".
وترى عدة تحليلات سياسية واقتصادية، أنه حتى وإن تحولت سلطة النقد الفلسطينية إلى بنك مركزي، فمن الصعوبة أن تعترف به سلطات الاحتلال والدول المنحازة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تأثيرا في هذا الشأن.
وفيما يعرقل الاحتلال مساعي الفلسطينيين بإصدار عملة خاصة بهم، يرى مواطنون واقتصاديون أن عودة الجنيه الفلسطيني ستبقى مطلبا شعبيا ووطنيا، في ظل الإصرار الفلسطيني على فك الارتباط مع الاحتلال.
عربي٢١