النائب العام: الاتجار بالسلاح مسألة أمنية
قائد الشرطة: سلاح المقاومة خارج نطاق عملنا
لجنة الأنفاق: ضبطنا مهربين لا ينتمون للمقاومة
خبير أمني: الظاهرة انخفضت في عهد "حماس"
الرسالة نت – أحمد الكومي
في الوقت الذي تعاظمت فيه ظاهرة الفلتان الأمني في الشارع الفلسطيني بالتزامن مع انتشار الأسلحة على نطاق واسع وما صحبها من انتهاك صارخ لقواعد حقوق الإنسان التي كفلها القانون الدولي، تولد لدى الناظرين إلى الواقع المعيشي لأهالي قطاع غزة، انطباعاً سلبياً يوحى بأن حمل السلاح صار أسهل من الحقيبة المدرسية، إلا أن الواقع هذه الأيام يشير إلى أن غزة أضحت منطقة آمنة وخالية من فوضى السلاح والفلتان الأمني، وذلك بفضل القرار الحكيم الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية بمحاسبة الخارجين عن القانون دون تمييز، بالإضافة إلى تفعيل دور القضاء، وتطبيق أحكامه كشرط أساسي لعلاج الظاهرة.
كل هذا وأكثر دفع بـ"الرسالة نت" إلى تسليط الضوء على قضية الاتجار بالسلاح، ومعرفة أبعادها الحالية، والتحقق فيما إن كانت هذه التجارة قائمة بعد اندثار حقبة الفلتان أم لا؟.
عِناد
الحكومة الفلسطينية حذرت المواطنين خلال السنوات الماضية من استخدام الأسلحة في المشاجرات وأعمال العنف، لما ينجم عنها من أضرار بشرية ومادية بين العائلات الغزية، وهو ما دفعها لإطلاق حملة مكثفة لجمع السلاح "غير المرخص" و"غير القانوني"، وذلك من باب الحفاظ على حياة المواطنين، ودرءاً للمفاسد والتجاوزات التي تحصل في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد أكد القائد العام للشرطة الفلسطينية العميد جمال الجراح أن امتلاك السلاح في غزة هو نظام قائم وقانوني، يستوجب الترخيص في حالة وجود مبررات يتم طرحها على وزارة الداخلية للبت فيها واتخاذ قرار حازم فيما يتعلق بإمكانية إعطاء رخصة امتلاكه أم لا، لافتاً إلى أن الشرطة تسمح لعدد من التجار بامتلاك السلاح الشخصي بعد ترخيصه وذلك حفاظاً على أمنهم وأملاكهم من المخالفين للقانون.
وأوضح الجراح أنه يتم سحب ومصادرة أي سلاح خارج عن القانون بغير رجعة"، مشدداً على أن هذا الإجراء يأتي في سياق الحفاظ على حياة وأمن المواطنين من الخطر المحدق بحياتهم.
وفيما يتعلق بالحملة الأمنية التي أصدرتها "الداخلية" لمصادرة السلاح، أكد أبو عبيدة أن نتائج الحملة كانت مثمرة على الصعيد الأمني، نافياً في الوقت ذاته أن يكون لها علاقة بسلاح المقاومة.
وأضاف:سلاح المقاومة يخرج من نطاق عمل الشرطة، ولكن من يستخدمه في غير مكانه الصحيح فسيتعرض للملاحقة والمحاكمة القانونية ، مشيراً إلى وجود تفاهم داخلي بين قادة وممثلي الفصائل والأحزاب السياسية لمعالجة كل تجاوز يذكر على الساحة الفلسطينية فيما يتعلق بملف الأمن.
لكل شاردة وواردة
"الأنفاق"المصطلح الأول الذي يخطر على أذهان أهالي غزة للإجابة على التساؤلات التي تود معرفة مورد أي تجارة قائمة في القطاع، فالكل منا يُجمع على أن اقتصاد غزة يعتمد بشكل أساسي على البضائع الواردة من الأنفاق، فهي شكلت عاملاً أساسياً في تخفيف الحصار الإسرائيلي، إلا أن البعض منها شكل عبئاً على الأهالي أنفسهم، فمنها من استخدمها لتجارة المواد المخدرة والممنوعات، وآخر لإدخال السلاح.
وفي هذا السياق أكد أبو عوض المسئول في "لجنة الأنفاق" التابعة لهيئة الحدود، أن عمل الهيئة يتعلق بمتابعة كل ما يدخل عبر الأنفاق وضبط محاولات تهريب المخدرات أو السلاح لغزة، مستطرداً:"تهريب السلاح إلى القطاع يشهد إنخفاضاً ملموساً بعد الانتشار المكثف للأجهزة الأمنية على طول الشريط الحدودي وإجراء تعديلات على بعض القوانين الرادعة للمخالفين للقانون والتي كان آخرها إنزال عقوبة الإعدام لتاجر المخدرات.
وكشف أبو عوض عن إلقاء الهيئة في الآونة الأخيرة القبض على فئة قليلة ممن يتاجرون بالسلاح ويهربونه عبر الأنفاق الحدودية، مشيراً إلى أنهم لا ينتمون لأي تنظيم فصائلي في غزة.
في حين يرى هشام المغاري الخبير في الشئون الأمنية والإستراتيجية، أن تجارة السلاح ما زالت قائمة ومستمرة بغزة ، مشدداً على أن القطاع بات دائرة مفتوحة وله ظروف استثنائية في التهريب وإدخال السلاح بعيداً عن الأنظار.
واستطرد:نسبة الاتجار بالسلاح بدأت بالانخفاض تدريجياً خلافاً لما كانت عليه في السابق، وذلك بعد النجاح الأمني الذي حققته حركة حماس في القضاء على كافة أشكال الفلتان والتمرد الأمني، مطالباً الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزارة الداخلية والقوي التنظيمية العاملة في الميدان بضرورة العمل على تقليص كميات السلاح المنتشرة في الساحة، وحصرها في إطار عمل المؤسسة الشرطية والعمل المقاوم.
وأوضح المغاري أن الظرف الخاص الذي يدفع أهالي غزة لامتلاك السلاح هو المقاومة، مضيفاً:" إذا كان السلاح ينسب للمقاومة فيجوز استخدامه لكن دون تمرد على حقوق المواطنين واستعماله في غير محله، أو خارج ساحات المقاومة بين الجمهور الوطني الفلسطيني".
وكانت مدينة رفح جنوب القطاع منذ وقت طويل قناة رئيسية لتهريب الأسلحة تحت الأرض، والذي تسيطر على اغلبه عدة عشائر محلية في السابق.
ظاهرة أمنية بامتياز
خرق سيادة القانون والمس بهيبة الدولة هو عنوان فوضى انتشار واستخدام السلاح، بحسب ما يرى معنيون ومختصون، وكما أنه عنوان لظاهرة وقضية تؤرق المجتمع، فضلا عن كلفتها الباهظة على أرواح الأبرياء, ورغم ما لهذه الظاهرة من أبعاد اجتماعية وثقافية أساسية تدفع إلى اللجوء إليها، فإنها تبقى ظاهرة أمنية بامتياز، وعلاجها امني أساسا، بحسب ما يجمع مواطنون ومعنيون.
المستشار محمد عابد النائب العام قال إن قضية الاتجار بالسلاح هي مسألة أمنية معلقة بالجانب الأمني أكثر منه في القانوني، بالإضافة إلى أنها مسئولية المؤسسة الشرطية ووزارة الداخلية، موضحاً أن تجارة السلاح هي سلوك قانوني ليس له أية مظاهر تذكر على الساحة الفلسطينية.
وأكد عابد أن النيابة العامة لم يعرض عليها أية قضية أمنية تتعلق بتجارة السلاح على مدى 11 شهراً منذ تولي مهامها، مشيراً إلى أن هناك قانونا ينظم أمور حيازة السلاح واقتنائه بصورة رسمية وبعلم أجهزة الأمن.
وشدد على أن إطلاق وزارة الداخلية للحملة الأمنية لجمع السلاح غير المرخص قانونياً يأتي في إطار السيطرة على سوء استعمال السلاح والاتجار به، وخوفاً من العودة لحالة تتبدل فيها الأمور يصبح فيها استخدام السلاح والآثار المترتبة عليه كبيرة جداً، إلى جانب أنها جانب وقائي للحفاظ على الحالة المجتمعية في غزة.
وكشف النائب العام عن وجود أمور إجرائية تنظم في وزارة الداخلية للسيطرة على الاختراقات المتعلقة باستخدام السلاح والتجارة به والتي اعتبرها ذات طابع أمني خالص، مبيناً أن مثل هذه القضايا تعالج في إطار التعاون بين الفصائل الفلسطينية والداخلية.
وشدد على أنه سيتم ضبط أي سلاح غير قانوني سواء كان صاحبه ذو مرجعية تنظيمية أو عشائرية أو عائلية، مؤكداً في ذات السياق أن النيابة ستتخذ إجراءات مشددة في تمديد فترة التوقيف لأقصى مدة ممكنة لأي خارج عن النظام العام مهما اختلف موقعه الحكومي، وقال إنه لا يوجد أي غطاء قانوني لأي تجاوز حكومي في قطاع غزة فيما يتعلق بمثل هذه القضايا.
سلاح مرخص
سمير زقوت الناشط في مجال حقوق الإنسان قال إن السلطة هي الوحيدة التي لها حق امتلاك السلاح والذخيرة، أما غيرها من الجهات فيتطلب منها لحيازة السلاح تطبيق قانون الذخائر والأسلحة الفلسطيني والذي ينص على تنظيم كافة المسائل ذات العلاقة بحيازة السلاح، كالحصول على ترخيص من وزارة ا لداخلية باقتناء وحمل أسلحة نارية محددة قانونا، وحظر اقتناء وحمل أنواع أسلحة محددة قانونيا بغير ترخيص، وشروط منح الترخيص بحيازة السلاح، والحالات التي يعد فيها الترخيص لاغياً، والعقوبات المترتبة عن الإخلال بأحكام القانون.
إذن يجمع المراقبون على أن انتشار "ظاهرة السلاح والفلتان الأمني" في الماضي إلى اكتظاظ قطاع غزة بمختلف أنواع السلاح رغبة في الجاه والمنصب والكبرياء أمام العائلات الأخرى، أو التصدي للعدوان الصهيوني المتواصل ضد أبناء قطاع غزة والتي كان أبرزها العدوان الهمجي الأخير الذي استهدف القطاع أواخر عام 2008 وبداية 2009 وأسفر عن استشهاد أكثر من 1500 شهيد وتدمير آلاف البيوت السكنية فوق رؤوس أصحابها.