يبدو أن تنصيب الحكومة الإسرائيلية الجديدة نتنياهو-غانتس ومصادقة الكنيست عليها، فتح شهية قادة الاحتلال إلى اتخاذ المزيد من خطوات سرقة الأرض والسيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية المحتلة والأغوار.
ويعكس ذلك تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال مراسم التنصيب والذي أعلن فيها مطمئنًا المستوطنين، بأنه لن يتم إخلاء أي مستوطن من الضفة الغربية، معتبرا أن ضم المستوطنات يقرب فرص تحقيق السلام وليس العكس، وأنه قد آن الأوان ليفهم الفلسطينيون هذا الأمر.
وتثير تصريحات قادة الاحتلال تلك، السؤال حول الخيارات التي ستتخذها السلطة لا بل ماذا تبقى لسياستها مع (إسرائيل) في ظل تشكيل هذه الحكومة العنصرية المتطرفة والتي تدفع باتجاه الضم والسيطرة وتهشيم أوهام قيادة السلطة بإمكانية إقامة أي كيان أو دولة فلسطينية!
ويتزامن تشكيل حكومة الاحتلال مع تراجع السلطة عن دعوتها الفصائل الفلسطينية للاجتماع الذي كان مقررا يوم السبت الماضي، وأجلّت عقده لوقت لاحق، مما يثير المزيد من علامات التعجب والاستفهام؟
لكن يبدو أن نتنياهو نجح بالفعل بشراء صمت قيادة السلطة بالمال بعد منحها قرضا بمبلغ 800 مليون شيكل، وتحويل مستحقات الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، بقيمة 500 مليون شيكل شهريا، خلال الأشهر الستة المقبلة، كما يرى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان.
وأضاف فيشمان أن "نتنياهو يسمي ذلك "سلاما اقتصاديا": بإلقاء عظمة للفلسطينيين، وتوفير نسيج حياة أفضل لهم، الأمر الذي سيخفف الحماسة الأيديولوجية.
وبموجب هذا المفهوم، فإن الفرصة التي تُنشئها (إسرائيل) للفلسطينيين بالعيش برفاهية نسبية، قياسا بما يحدث في الدول المجاورة، ستتغلب على حافز الخروج للنضال من أجل غايات سياسية"، كما يقول الكاتب الاسرائيلي
نفس الفلك
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن السياسة المتبعة من قبل السلطة لا زالت تدور في فلك محدد من آليات العمل ليس فقط لمواجهة قرار الاحتلال بالضم ولكن للتعامل مع جميع سياسات الاحتلال بما فيها الاجرام اليومي وما يمارسه الجيش والمستوطنين.
ويؤكد محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن سياسة السلطة لا زالت تراوح في المكان، مرجعا ذلك إلى أن القناعات لدى عباس والفريق الذي يدير مؤسسات السلطة لا تتعدى سقف المجتمع الدولي الذي لا يمكن أن يأتي للفلسطينيين بشيء، وأن الالتزامات التي وقعت مع الاحتلال تقوم على عدم التحرك.
ويبين أن مرور عقود من الزمن على سياسة السلطة تثبت أن هناك اخفاقا واضحا في تحقيق أدنى متطلبات الحياة وليس التحرر الوطني على اعتبار ان إقامة دولة فلسطينية أسمى غايات الشعب؛ بسبب مشكلة التفرد التي تمارسها قيادة السلطة بالقرار الفلسطيني و"هي نكبة العصر التي تواجه الشعب" وفق وصفه.
ويضيف محيسن أن الاحتلال نجح في ترسيخ علاقات بينه وبين قيادة السلطة التي باتت تتحكم بالقرار الفلسطيني ويرتبط مصالحها بوجود الاحتلال وينزع منها إمكانية أن تقوم بأي عمل يعكر مزاجه.
ويلفت إلى أن تأجيل عباس للاجتماع أو عقده لن يأتي بجديد، فجميع القرارات التي اتخذت سابقا لم ترتق لمستوى التنفيذ وبالتالي من هنا جاءت مقاطعة فصائل المقاومة لاجتماع عباس الذي لا يتجاوز سقف قراراته التوسل والاستجداء.
مألوفة ومتوقعة
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. حسام الدجني إن الخيارات الفلسطينية متوقعة ومألوفة لكافة الأطراف، وتتضمن عقد اجتماع للقيادة الفلسطينية، يتضمنه خطاب للرئيس عباس يهدد ويلوح بقرارات وإجراءات ويخلص الاجتماع بتشكيل لجنة قد يكون صائب عريقات رئيساً لها، وسرعان ما تتلاشى هذه القرارات واللجان والتوصيات.
ويوضح في مقال له أن من هذه الخيارات أيضا، حراك شعبي تحت السيطرة تحركه السلطة الفلسطينية في بعض المحاور، ولا يسمح بفقدان السيطرة على حركة الشارع (حراك موجه وليس انتفاضة أو ثورة).
والاكتفاء بجولة خارجية للرئيس عباس ولمعالي وزير الخارجية رياض المالكي للعواصم لحشد موقف دولي رافض لقرار الضم، والمطالبة بعقد جلسات للعديد من التكتلات الاقليمية والدولية، وتخرج بيانات إدانة وشجب للخطوة الصهيونية.
ويشدد الدجني على أن (إسرائيل) اتخذت قرار الضم وهي تعلم علم اليقين ماهية الخيارات الفلسطينية وسقفها النهائي، وتدرك أنها ستبقى أسيرة الشاشات التلفزيونية لعدة أيام وفي عدة خطابات وسرعان ما تتلاشى، وتصبح سياسة الأمر الواقع هي القائمة على الأرض.